الأرابيست واليهوديست!
سامي النصف
خلال المائة عام من بدء «المسألة اليهودية» و«القضية الفلسطينية» كانت هناك شخصيات متشددة من الطرفين، رأى من خلالها بعض اليهود المتشددين ان فلسطين ارض لا شعب لها لذا يجب ان تمنح لشعب لا ارض له، ولم يكن هذا صحيحا، كما رفض بعض القادة الفلسطينيين المتشددين وجود اي يهودي على الارض الممتدة من النهر الى البحر، ولم يكن هذا موقفا صحيحا ايضا، فقد كان هناك يهود على ارض فلسطين منذ زمن بعيد، وقد تسبب المتشددون من الطرفين في استمرار المأساة دون حل منذ بدئها قبل مائة عام الى يومنا هذا.
>>>
في المقابل، كان هناك معتدلون في الجانب العربي يمكن تسميتهم مجازا بـ«اليهوديست» وهم من رأوا منذ اليوم الاول إمكانية التعايش السلمي بين العرب واليهود، وأن بإمكان اليهود ان يصبحوا القاطرة التي تسحب قطار فلسطين والمنطقة العربية معها من التخلف وعصور الظلام الى عصور النهضة والتقدم والتنوير، وكان من هؤلاء شخصيات فلسطينية وعربية بارزة وقادة دول إلا أن عمليات الدغدغة الرخيصة والتأجيج جعلتهم ينكفئون، وبعضهم دفع حياته ثمنا لحكمته وتعقله وواقعيته في التعامل مع المشكلة.
>>>
وعلى الجانب اليهودي، كان هناك كذلك عقلاء وحكماء آمنوا بإمكان التعايش السلمي مع العرب دون الحاجة إلى الحروب والطرد والتهجير، ومن هؤلاء حاييم وايزمان اول رئيس للوكالة اليهودية وأول رئيس لإسرائيل وأشكول وأبا إيبان وشمعون بيريز وإسحاق رابين (قتل بسبب اعتداله من قبل متطرف يهودي) وعزرا وايزمان وموشى دايان ممن فتحوا قنوات اتصال عديدة مع العرب، ومرة أخرى استطاع المتشددون ان يزايدوا عليهم، وهم من قاد جيوش إسرائيل للانتصار، ويبعدوهم عن مواقعهم لصالح شخصيات متشددة مثل بيغن وشامير وشارون وغيرهم من متشددين.
>>>
وكمثال لكيفية تخريب قنوات الاتصال لحل الإشكال بالطرق السلمية عبر، احيانا، مصيدة خلق جمل قصيرة يتم عبادتها، ما ذكره موشى دايان في كتاب مذكراته «قصة حياتي» من أن الشاعرة الوطنية فدوى طوقان وخالها زاراه في بيته بعد حرب 67 وشكرته على توجهه للسلام، وما أعلنه أمام رؤساء البلديات الفلسطينية من رغبة في التخلي عن الأراضي المحتلة في سيناء والجولان والضفة وغزة لقاء اتفاقية سلام مع العرب، وأخبرته انها ذاهبة إلى مصر للقاء عبدالناصر للطلب منه التجاوب مع تلك المبادرة التي طرحها أحد «الأرابيست».
ويضيف دايان ان طوقان عادت اليه لاحقا لتخبره بأنها التقت الرئيس عبدالناصر ووجدته أسير جملة دسها صديقه ومستشاره الأوحد وكاتب خطبه في خطاب قاله على الملأ وهو «إن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة» وضاعت الأراضي العربية لا بسبب الحرب بل بسبب.. جملة!
>>>
آخر محطة: 1- الغريب أن دايان يذكر في مذكراته ص (234) ان فدوى طوقان أخبرته ما نصه: ان الشخص الوحيد الذي قابلها في مصر وشجعها على الاتصال بي (أي دايان) كان محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وصديق عبدالناصر الحميم.. وأمجاد يا عرب أمجاد!
2- أمر مماثل كشفته أوراق إسرائيلية سرية نشرت قبل أيام من أن إسرائيل عرضت في صيف 1973 على السادات الانسحاب الطوعي من سيناء لقاء السلام، إلا أن مستشاره آنذاك وكاتب خطبه وهو الأستاذ هيكل جعله أسير مصطلح آخر هو «وحدة المسارات العربية» فتم رفض المقترح الذي كان سيوفر الأرواح والأموال والمعدات التي أهدرت في حرب أكتوبر 1973.
3- وقد ثبت بالنهاية خطأ مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» فقد انسحبت إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والأردنية وسيناء عبر معاهدات سلام، كما ثبت خطأ المقولة الأخرى حول «وحدة المسارات العربية» حيث تفاوض ووقّع كل طرف عربي على حدة على معاهدات سلام مع إسرائيل.. وأمجاد يا عرب أمجاد!
samialnesf1@hotmail.com
salnesf@