مقالات

الديموقراطية بين النظرية والتطبيق

سامي النصف
هناك دائما فارق بين النظرية والتطبيق، ففي الجانب النظري البحت كان يفترض ان ينتهي النصف الثاني من القرن العشرين بسيادة الماركسية وشعارها الشهير «وطن حر وشعب سعيد» على العالم اجمع، خاصة بعد تساقط الصين ثلث العالم ودول أوروبا الشرقية تحت الأنظمة الشيوعية، الا ان القرن الماضي انتهى بعكس ذلك تماما، فقد انتصرت الليبرالية السياسية والاقتصادية بسبب الفارق الكبير بين الشيوعية كنظرية والشيوعية كتطبيق.

****

وفي منطقة الشرق الأوسط كان يفترض من الناحية النظرية بدول عربية حكمتها انظمة واحزاب تدعو إلى الوحدة العربية ان تحافظ على وحدة أراضيها وتتوحد مع جيرانها، خاصة من يرفع منهم الشعارات الوحدوية نفسها، الا ان الواقع المعيش والتطبيق العملي يظهر أن تلك الدول التي رفعت شعار الوحدة لم تكتف بعدم الوحدة مع الخارج، بل ساهمت في قسمة أوطانها وظلم مواطنيها «العرب» بسبب أديانهم وطوائفهم، وهي من تدعو إلى توقير العرب ورفع شأنهم.

****

وبالمثل هناك اعتقاد شائع ونظرية قائمة بأن الأخذ بالديموقراطية هو ما يمنع الفساد ويعزز الشفافية ويحفظ الأموال العامة ويدفع بالتنمية ويحقن دماء الأبرياء، وهو لو صح لوجب ان تكون الصومال واليمن وليبيا وأفغانستان افضل كثيرا من دول أخرى في مؤشرات الرفاه والشفافية والتنمية والاستقرار وحقن الدماء، إلا أن النظرية شيء والواقع المعيش شيء آخر ومختلف تماما.

****

لقد ثبت في بعض دول منطقتنا على الأقل ان غياب الانتخابات يمنع احيانا دغدغة المشاعر الفئوية والقبلية والمناطقية، ويحد من تفشي الفساد والمحسوبيات والواسطات التي تدمر وتقفز على قواعد العمل الإداري العادل والمنصف في الدول وتخل بمبادئ تكافؤ الفرص، ولا شك ان هذه ليست أحكاما قاطعة، بل ظواهر سلبية لا يستطيع احد إنكار تفشيها في بعض دول المنطقة التي أخذت بالمسار الديموقراطي الذي ارتقت به دول العالم وانكسرت به بعض دولنا.

****

آخر محطة: الديموقراطية كما نراها هي أقرب للدواء الذي لا يعطى قبل الحاجة الحقيقية له، فلا يصح إعطاء الأصحاء الدواء حتى لا تعتل صحتهم، كما لا يصح ان يكون الدواء أكثر ضررا من الداء، والواجب ان تكون جرعة الدواء تختلف وتتباين من مريض إلى آخر، وتكمن الخطورة الحقيقية في أخذ جرعات زائدة من الدواء تؤدي الى وفاة الدول والمجتمعات، كما حدث بشكل جلي في بعض دول المنطقة!

samialnesf1@hotmail.com

salnesf@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.