الفتى مرزوق.. ورأس الأفعى!
لا.. ليست هذه قصة من سلسلة قصص “المكتبة الخضراء” التي كنا نقرأها صغارا.. ولا هي “ميدوسا”، تلك الفتاة الجميلة التي تقول الأساطير الرومانية أنها أقامت علاقة غير شرعية مع “بوسيدون”، فتحولت إلى امرأة بشعة المظهر، وتحول شعرها إلى “أفاعي”، فكان كل من ينظر إلى عينيها يتحول.. إلى حجر!
ولا هي بأغنية “يا حية أم راسين طبي بجدرهم”.. التي تغنى بها حسينوه عندما عاد من البصرة، ليجد أمه قد تزوجت جارهم “اللي ما يواطنه”!
“رأس الأفعى” هو شخصية، أو شخصيات، رمز إليها الرئيس مرزوق الغانم بهذا المصطلح، دلالة على الفساد المستشري فيها، والخطر الذي يحدق بالكويت من سمومها وأنيابها التي غرستها في المال العام.. والشعب الكويتي.
وقد صدق الغانم وهو.. صدوق، حين أكد بأن “رأس الأفعى تلك يعرفها جميع الكويتيين”!
.. فعلا، “جميع” الكويتيين يعرفون.. رأس الأفعى!
* * *
ظهر الشاب الكويتي “الأصلي” مرزوق الغانم على إحدى الفضائيات، بعد أن “تبرع” بإصلاح أرضية استاد جاسم الخرافي، فقال في اللقاء التلفزيوني: “لا أتحسس من هذا الاستاد الرياضي الذي يمثل تحفة معمارية.. والذين شيّدوه هم أخوالي شركة الخرافي، وهم ع العين وع الراس.
لكن، وللأسف، هذا الأستاد هو مثال صارخ لسوء الإدارة الحكومية، فالإستاد في رأيي جاهز لإقامة جميع المباريات عليه، إلا أن الحكومة مترددة في افتتاحه لسبب نجهله. وقد استعانت الحكومة باستشاري دولي قام بفحص الاستاد من الألف إلى الياء. وتأكيدا على أن الاستاد لا عيوب جوهرية فيه، أعطى هذا الخبير العالمي كفالة على الاستاد مدتها.. 20 سنة”!
وهكذا “فنطها” الرئيس مرزوق الغانم، ولم يترك مجالا للشك حول رأس الأفعى الفاسد الذي تسبب بالمشكلة.
وللأمانة أعجبتنا كلمة “أتحسس”، إذ نجدها متناغمة مع موضوع “رأس الأفعى”. ولا نملك إلا إبداء إعجابنا بشجاعة الرئيس الغانم في الدفاع المستميت عن خاله، رغم أننا نجد سالفة “كفالة 20 سنة”.. قوية شوي!
.. يبقى أن نوجه عتبنا إلى الجهة التي قررت طرح مناقصة وتخصيص ميزانية وقدرها 8 ملايين دينار، لإصلاح استاد جاسم، ولم تسمع كلام مرزوق، رغم تأكيدات حبيب الشعب مرزوق الغانم، وعلى كفالته، بأن الاستاد الرياضي صالح.. للاستخدام الآدمي!
* * *
عسى الله يحفظ مرزوق الغانم من العين ويحميه من الحسد، فهذا الإنسان الرائع تقطر كلماته حكمة وحميّة على وطنه.. فقد قال في غمرة فزعته للكويت قبل يومين: “قدرنا أن نكون رأس حربة بمعركة الشعب ضد سراق المال العام ورأس الأفعى”.
لقد أعاد إلينا الرئيس الغانم التفاؤل بمقولته هذه، بعد أن كدنا نفقد الأمل بأن يقوم أحد بالتحقيق في شبهة اجتماع مجموعة من الشركات، واتفاقهم على ترسية مناقصة على شركة معينة، وبمبلغ يزيد 400 مليون دينار كويتي (وليس جنيه مصري) عن سعر الوزارة.. مقابل تقاسم الكيكة بينهم فيما بعد.
ونحن مطمئنون كذلك أن الرئيس الغانم لن يقبل بتاتا بإحالة أي مشروع حكومي الى أي جهة أخرى، حتى لو كان مشروع “مبنى المطار” مثلا، لأن الغانم يؤمن إيمانا مطلقا بأن الحكومة هي المسؤولة عن مشاريع الدولة، وأن نقل أي مشروع خارج الحكومة سيعني كف يد المراقبة والمحاسبة في المجلس.
ولعل حرصه سيظهر جليا في رفضه المطلق نقل مناقصة المطار إلى أي جهة أخرى غير الحكومة، حتى لا يتحول المشروع إلى “طفاية” ثانية.
* * *
بعد أن غسلنا أيدينا من سمو الشيخ جابر المبارك، فنحن بالله ثم بالرئيس مرزوق الغانم، أن يكشف لنا عن صحة ما نشرته بعض الصحف حول استيلاء أحد المقاولين (اللي عالعين وعالراس) من المال العام، مبلغا وقدره 425 مليون دولار أمريكي (وليس تومان إيراني) كدفعة أولى في مشروع حكومي، دون أن يدق مسمارا بالأرض إلى يومنا هذا.. ناهيك عن السبعة مليارات دولار التي دفعتها الدولة من المال العام نتيجة التأخير في تنفيذ المشروع!
* * *
وبما أن الفاضل مرزوق الغانم “طق السدر” في كشف “رأس الأفعى”، فإننا نناشده بحرارة (تماما كما يناشد النائب يوسف الزلزلة الشيخ جابر المبارك)، أن يجري تحقيقا، يوقف فيه “اللغط” ويقطع فيه الألسن التي تثير الشائعات عن “الصندوق الكويتي” للتنمية، وأن هناك مقاولا (على عيننا وعلى رأسنا) يحتكر مناقصات المشاريع التي تنجزها الكويت في الدول الصديقة والشقيقة، عن طريق الصندوق الكويتي، وأن هذا المقاول قد أساء لعلاقاتنا بتلك الدول لأن معظم مشاريعه متأخرة عن وقتها، ويتم تنفيذها بكلفة عالية.. نفس سالفة المطار!
ونتمنى من مرزوق الغانم أن يتخذ من خاله الخرافي قدوة في حياته، ذلك الكويتي الوطني الذي يخاف الله في الكويت، والذي تكاد مبادئه أن تكون أقرب إلى “الخرافة”، لأن أمثاله باتوا عملة نادرة في مجتمعنا، بعد أن أعلنها صريحة في وجه كل الصحف المحلية بأن.. “المال العام خط.. أحمر”.
* * *
سمردحة: جانب الصواب العم مرزوق الغانم حين صرح بأن شركة الخرافي هي ملك لأخواله فقط. والصحيح أنها شركته، ويملك هو فيها حصة، بطريقة غير مباشرة.. إذ أن والدته تملك في الشركة، وبالتالي فإن أي مناقصة ترسو على الخرافي، ينال بو علي من الطيّب نصيب.
.. حفظ الله بو علي من كل مكروه، وأعانه على.. “غرام الأفاعي”!
د طارق العلوي
المصدر”الوطن”