حرية الصحافة تتراجع في القارات الخمس
رسم تقرير حقوقي صورة قاتمة لوضع حرية الصحافة في العالم خلال العام 2014، مشيراً إلى «تراجع مهول» في مستوياتها لأسباب مختلفة بينها تنامي نفوذ جماعات غير حكومية (ارهابية) مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي قطع رؤوس عدد من الصحافيين كان يحتجزهم رهائن في سورية. وفي حين لم يشكّل تراجع الحريات الإعلامية في العالم العربي أي مفاجأة، وفق «التصنيف العالمي» السنوي الذي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود»، فإن ما خفف ربما من وقع مأساة الصحافيين العرب أن تراجع الحريات لم ينحصر بهم فقط بل شمل هذه المرة القارات الخمس.
وقالت «مراسلون بلا حدود» في تقريرها السنوي إن «عام 2014 شهد تقهقراً مهولاً على مستوى حرية الإعلام»، مشيرة إلى أن «سِجل ثلثي الدول الـ 180 التي يشملها تصنيف 2015 كان أسوأ من أدائها في النسخة السابقة، إذ وصل المؤشر السنوي الذي يعكس شدة الانتهاكات ضد حرية الإعلام في العالم إلى سقف 3719 نقطة، أي بزيادة قدرها 8 في المئة مقارنة بعام 2013 وما يقرب من 10 في المئة منذ عام 2012»، مؤكدة «أن هذا التراجع يشمل كل القارات دون استثناء».
وقال كريستوف دولوار الأمين العام للمنظمة غير الحكومية (مقرها باريس) لـ «فرانس برس»: «حصل تدهور معمم على ارتباط بعوامل شديدة الاختلاف»، ذاكراً منها «نشاطات مجموعات غير حكومية تتصرف باستبداد حيال الإعلام».
وتوقف التقرير عند منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قائلاً إنها «في ذيل ترتيب احترام حرية الإعلام، بعدما شهد هذا العام (2014) ظهور «ثقوب سوداء» على المستوى الإعلامي، حيث أصبحت مناطق بأكملها تحت سيطرة جماعات غير حكومية (ارهابية) لا وجود لإعلام مستقل في الأراضي التابعة لها»، في إشارة واضحة إلى تمدد جماعات مثل «الدولة الإسلامية» وفروع «القاعدة» في عدد كبير من الدول العربية.
وفي حين شهد ترتيب تونس تحسناً بارتقائه ثلاث درجات، رسم التقرير صورة قاتمة لوضع ليبيا التي تراجعت 17 درجة لتصبح في المرتبة 154 بعد «سبعة اغتيالات و37 عملية اختطاف في صفوف الإعلاميين منذ سقوط معمر القذافي قبل ثلاث سنوات». وأضاف التقرير أن أكثر من 40 صحافياً فروا من ليبيا خلال العام 2014، «إذ بات مجرد تغطية نشاطات الميليشيات التي تتنازع على السلطة عملاً بطولياً في حد ذاته». وظلّت سورية أخطر بلد في العالم للصحافيين وبقيت كما في العام السابق في المرتبة 177 من أصل 180 بلداً، مباشرة بعد الصين (176) وقبل تركمانستان (178) وكوريا الشمالية (179) وإريتريا (180). أما العراق فجاء في المرتبة 156 ونيجيريا في المرتبة 111. كما صنفت إيران (173) بين اسوأ مستويات حرية الصحافة (وإن بقيت في ترتيبها السابق).
وربط التقرير بين تراجع الحريات الإعلامية والنزاعات التي تحصل في دول العالم، قائلاً: «سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو سورية أو العراق أو بقية بلدان الشرق الأوسط، فإن عام 2014 شهد عدداً من النزاعات في مشارق الأرض ومغاربها، حيث شنت جميع الأطراف المتناحرة، دون استثناء، حرباً إعلامية بلا هوادة عبر الدعاية تارة والتعتيم تارة أخرى. وباتت وسائل الإعلام هدفاً من الأهداف الاستراتيجية، إذ سقطت ضحية الهجمات والاعتداءات وحملات تكميم الأفواه».
وتابع: «لا تخضع الجماعات غير الحكومية لأي إطار قانوني في سعيها إلى تحقيق مصالحها الخاصة على حساب الحقوق الأساسية. فمن جماعة بوكو حرام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، مروراً بتجار المخدرات في أميركا اللاتينية والمافيا الإيطالية، تختلف الدوافع وتتعدد لكن السبيل واحد: تكميم أفواه الصحافيين والمدونين الذين يجرؤون على التحقيق في أعمال تلك المجموعات وإكراه أولئك الذين يرفضون الدعاية لها، تحت طائلة التخويف أو الاعتداء».
ولعل ما يخفف من وقع التراجع في منطقة البحر المتوسط أن دولاً عريقة في حريات الصحافة شهدت بدورها تراجعاً، فقد هبطت إيطالياً 24 درجة لتصبح في المرتبة 73 بعد «فورة في التهديدات وخصوصاً من المافيا وفي الإجراءات القضائية التعسفية بتهم التشهير». وللسنة الخامسة على التوالي تبقى فنلندا في المرتبة الأولى من التصنيف، تليها النروج والدنمارك.