اكشفوا «رأس الأفعى».. نبيها «قول وفعل»
راكان بن حثلين
الجلسة التي عقدها مجلس الامة الخميس الماضي، فعلا كانت كما وصفها رئيس المجلس، مرزوق الغانم «غير مسبوقة»، ونتمنى أن تكون فعلا «خطوة على طريق الحل» كما وصفها الرئيس أيضا، وليست بداية لـ «الإنحلال».
فهذه الجلسة التي وصفها الغانم بالتاريخية، لم تكن فقط جلسة لاستعراض ونقاش ملاحظات ديوان المحاسبة حول الحسابات الختامية للجهات الحكومية، بل كانت بمثابة إعلان لاعتراف علني بإخفاق « أو عجز» الجناح الرقابي لمجلس الأمة عن أداء دوره ومهامه في وقف التجاوزات، وردع كل جهة تطاولت على المال العام او تقاعست عن أداء دورها في حمايته.
كما شهدت الجلسة توثيقا لاعترافات النواب أنفسهم بأن عجز ديوان المحاسبة عن أداء دوره، هو نتيجة لعدم احترام الجهات الحكومة لهذا الديوان، وعدم الاحترام للمؤسسة التشريعية وضياع هيبتها، وذلك نظرا لفرض الحكومة سيطرتها على المجلس الحالي وتجميد الأدوات الرقابية بشكل غير مسبوق.
وبالتالي فإن حجم التجاوزات التي تم استعراضها، يتطلب إجراءات رقابية بحجمها، ويستدعي رحيل الحكومة .. او المجلس، وإلا فسنكون أمام واقع جديد من الانحلال الأخلاقي يسود كل المستويات، عندما يرى الشارع ويتيقن من أننا في بلد الفاسد فيه لا يحاسب، وأن «حاميها حراميها».
هذه الجلسة «التاريخية» التي انتهت بمجرد توصيات قد تأخذ بها الحكومة أو تضرب بها عرض الحائط، وضعت المجلس الحالي برئيسه وأعضائه على المحك أمام الشعب الكويتي، فإما ان يكون هذا المجلس فعلا «رأس الحربة في مواجهة الفساد»، او أن يكون المجلس جزء من الفساد وغطاء له.
فلا يكفي بعد كل المساوئ التي بدت في هذه الجلسة ان تخرج التصريحات النيابية بضرورة تقديم الوزراء استقالاتهم «طوعا»، من اجل رفع الحرج عن سمو الشيخ جابر المبارك، بل يجب أن نرى خطوات واجراءات نيابية لإرغام الوزراء الذين ثبت تقاعسهم عن حماية المال العام على الاستقالة، او الإطاحة بهم من على منصة المساءلة السياسية، كما يجب ان يتبع ذلك اجراءات تشريعية لإحالة كل متورط بالتطاول على المال العام أو الإخلال بمسؤولياته في الرقابة والمحاسبة، الى النيابة العامة، وإصدار تشريعات تضمن إنزال اشد العقوبات بهم، حتى لا تنتهي القضايا بالحفظ او البراءة كما حصل في معظم القضايا السابقة.
نريد من نواب المجلس الحالي أن يكونوا «قولاً وفعلاً» وأن يبروا بقسمهم الدستوري، بأن يذودوا عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله.
نريد ان نشعر بأن هناك فعلا معركة بين الإصلاح والفساد كالتي يتحدث عنها الرئيس الغانم، يسمع فيها الصراخ على قدر الألم من الأطراف الفاسدة، ويطاح بها برؤوس الفساد، وأن يكشف الرئيس الغانم وزملاءه في المجلس للشعب الكويتي، من هو «رأس الأفعى» الذي أصبح شماعة تعلق عليها كل الإخفاقات والتجاوزات في هذا البلد؟!
على حامل راية «محاربة الفساد»، الرئيس الغانم، وأعضاء المجلس الحالي أن يثبتوا للشعب الكويتي أنهم فعلا رأس الحربة في مواجهة الفساد، وأن يخضبوا أدواتهم الدستورية بدماء المفسدين، او أن يقصوا الحق من أنفسهم، ويعترفوا بعجزهم وعدم قدرتهم على الإصلاح، ويعيدوا الراية للشعب ليختار من يستحق تمثيله.
وعلى النواب الشرفاء في المجلس الحالي، ان يقدموا استقالاتهم إذا وجدوا أنفسهم عاجزين عن الإصلاح، وألا يبقوا «محللين» لهذا المجلس، وبالتالي سيكونون شركاء في كل جرم يرتكب بحق هذا الشعب، ولن يطهرهم ماء زمزم.
فالوضع الحالي وما نشهده في واقع المؤسسة التشريعية لا يدل على ان هناك معركة، بل إن الهدوء غير المسبوق، والاريحية التي تتعامل بها الحكومة مع المجلس الحالي رغم كل مساوئها، وعدم المساس بالمشاريع التي تحوم حولها الشبهات وتفوح منها رائحة الفساد، كل ذلك يترك انطباعا بأن هناك «هدنة»، وان ما يحصل الآن هو محاولة لكسب المزيد من الوقت، وخلال هذا الوقت.. «من صادها عشى عياله».