منوعات

الجنرال الغامض قبل رحيله: “إذا جماعة الإخوان متعدلوش.. أنا الصندوق الأسود وهطلع اللي عندي”

كان عمر سليمان مدير المخابرات المصرية الأسبق، نائب الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولايزال مثار جدل كبير في جميع الأوساط، كان واحدا من صناع القرار في مصر على مدى عشرين عاما، عاش فترات تاريخية مهمة، كان شاهدا على احداث لا تزال حتى الآن غامضة.. كانت له مواقفه التي لم يكشف عنها النقاب بعد، سواء على الصعيد الداخلي او الاقليمي والدولي، ولأنه كذلك حاول الكاتب الصحافي مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة الأسبوع القاهرية وأحد المقربين من سليمان كشف بعض التفاصيل المثيرة في كتابه الذي صدر حديثا في مصر تحت عنوان الصندوق الأسود لعمر سليمان والذي يقع في 300 صفحة ويتضمن اسرارا ومفاجآت خطيرة تنشر للمرة الأولى عن مشوار حياة اللواء عمر سليمان، ومرحلة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 وأثنائها وما بعدها.
ويحوي الكتاب نصوص حوارات دارت بين بكري وسليمان خلال عدة جلسات في عامي 2011 و2012 في مستشفى وادي النيل حيث كانت هذه اللقاءات تتم بجوار مكتب مدير المستشفى حيث كان يعالج سليمان.
ويتناول الكتاب اسرارا ووقائع ما جرى من خلافات بين عمر سليمان والرئيس مبارك ونجله جمال والسيدة سوزان مبارك وأحمد عز، حيث كان يحذر من ان البلاد مقبلة على تطورات خطيرة، وأن الاصلاح ضروري لمواجهة المؤامرة التي حاكها الأميركان مع جماعة الاخوان لاسقاط الدولة المصرية.
يقول بكري عن سليمان في تمهيد كتابه: كان رجل مخابرات من طراز فريد، ضابط من اصول صعيدية، عائلته تضرب بجذورها في مركز قفط، محافظة قنا، كان يحلو له دائما عندما يقابلني ان يقول لي: اهلا يا ابو البلديات، على اعتبار ان مصطفى بكري ايضا من قنا.
يتابع المؤلف: كان عمر سليمان يعتز بصعيد مصر، الا انه ومنذ ان غادره صغيرا انهمك في الحياة وأعبائها، نسي حتى نفسه، لكنه ظل دوما محتفظا بقيم الأصالة والوفاء والنقاء، عندما تضيق به الأحوال كان يذهب الى استراحة وادي النيل بالقاهرة، يجلس هناك وحيدا، يفكر بعمق، يمضي بخياله الى ربوع الوطن، يتنفس سحر الحياة التي عشقها على ارض مصر.
الكباب الشعبي
ويستطرد المؤلف: كان سليمان ايضا يمضي الى درب البرابرة، يغوص في وسط القاهرة، يتجول وحيدا، بلا حراسة، يتفرس وجوه الناس، كان مغرما بالأنتيكات والزخارف القديمة، انها تذكّره بزمن مضى، لكنه يحنّ اليه دوما، وعندما يعود الى المنزل كان يروق له ان يستمع لأغاني محمد فوزي. بين الحين والآخر كان يمضي الى مدينة فايد في الاسماعيلية، الى شقته القديمة التي عاش فيها منذ كان ضابطا بالفرقة 18 في الجيش المصري، مغرم هو بصيد السمك، يمضي الى البحر، ويلقي بسنارته، يصبر كثيرا، ويسعد كثيرا ساعة ان تغمز السنارة، فيسحبها رويدا رويدا الى شاطئ البحر، و كان يتردد كل خميس في بدايات عمله بالمخابرات العامة الى محل جاد للفول والطعمية في شارع رمسيس، يذهب مع سائقه ويتناول معه السندويتشات التي كان يقول عنها دوما: هي دي الكباب الشعبي بجد.. كان مغرما بالتفاصيل، وكان عاشقا للوطن.
ويقول المؤلف ايضا: بعد ثورة 25 يناير 2011 كان سليمان يبدو حائرا، قلقا على الحاضر والمستقبل، وفي يوم ما، بعد ان ازداد لهيب النار، وسادت الفوضى، مضى الى بيته، كان غاضبا، الدموع كادت تنهمر من عينيه، وقال لأسرته: دي مش مصر اللي بعرفها، وفي هذه الفترة وتحديدا بعد تخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم بفعل الضغوط الشعبية، وموقف الجيش المصري، ظل عمر سليمان يتردد على مكتبه القديم بمبنى المخابرات العامة، لقد تعوَّد ان يذهب اليه يوميا، يمضي فيه اغلب الوقت، ثم يعود في وقت متأخر مساء ليجلس مع ابنائه وأحفاده.
وقتي وجهدي لمصر
يدخل بكري في تفاصيل حياة الجنرال الغامض كما يلقبه المصريون ويقول: كانت ابنته رانيا، وزوجها عبدالحميد، نجل الشهيد احمد حمدي، يقطنان معه داخل مسكنه في التجمع الخامس، وكان اول شيء يفعله عند دخوله منزله هو الجلوس مع احفاده الصغار، لقد تعود عليهم، وتعودوا عليه. وكانت داليا، ابنته الأخرى، زوجة المهندس فرج اباظة تسكن في المهندسين بالجيزة جنوب القاهرة، وكان يطمئن عليها يوميا ويسأل عن الأحفاد، اما عبير، ابنته الثالثة، فقد كانت مع زوجها السفير ايمن القفاص الذي كان يعمل في احدى المؤسسات المالية الدولية خارج مصر في هذا الوقت. كان مرتبطا ببناته وأحفاده وزوجته، وكان دائما يقول لهم: أنا ظالمكم معايا، لكن عذري ان وقتي وجهدي هو لمصر، كانت اسرته تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تنتهي فيه خدمته بعد ان اعطى كل عمره للوطن، والقوات المسلحة، والمخابرات الحربية والعامة على السواء.
ويواصل بكري السرد: يوم ان استمعت ابنته داليا الى خبر تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية في الخامسة من مساء السبت 29 يناير 2011 من راديو السيارة، اجهشت بالبكاء؛ فقد كانت تدرك خطورة الموقف في هذه اللحظة. كان عمر سليمان كتوما، وحريصا، الكثير من الأسرار لم يكن احد من اسرته يعرف بها، حتى عندما تعرّض لمحاولة اغتيال متعمدة في 30 يناير، في اثناء الثورة، لم يعلم احد من افراد اسرته بالحادث- سوى زوجته- الا بعد ان اذاعته شبكة فوكس نيوز الأميركية.
مقتل النظام
في المقدمة يكشف بكري عن طبيعة علاقته بالجنرال الغامض ويقول: كنت قد تعرّفتُ على اللواء عمر سليمان منذ اكثر من خمسة عشر عاما، كان يتحدث معي بصراحة ووضوح في كثير من الأزمات التي عاشها الوطن في هذه الفترة، كان دائما يقول: ان اكثر ما يخيفني على مصر وعلى الرئيس مبارك، هو بعض المحيطين به والذين يتصرفون في البلاد وكأنها عزبة، وعندما كنت اسأله عن جمال مبارك وعن الآخرين وعن التوريث كان يقول دوما: مصر اكبر من كل هؤلاء، ولن يستطيع احد ان يجبر المصريين على شيء لا يقبلون به. وكان عمر سليمان يعرف ان ملف التوريث فيه مقتل للنظام ونهاية له، كان حريصا، يقرأ المستقبل بعيون الوطن، كان يحذر، لكنّ احدا لم ينصت اليه، كان يقول ان هذا الملف هو الخطيئة المسكوت عنها، وكان على ثقة بأن الأمر لن يمر بسهولة.
يوضح بكري: في عام 2006 تحدث سليمان مع الرئيس مبارك بكل صراحة ووضوح، وقال له: ياريت جمال مبارك يسافر بره شوية، وعندما سأله الرئيس: طب ليه؟، رد عليه عمر سليمان بالقول: الناس كلامها كتير، وأنا خايف عليه، والبلد مش مستحملة! ادرك الرئيس المعنى جيدا، صمت، لم يرد، كانت الضغوط لا تتوقف من قبل سوزان مبارك على الرئيس، كانت تريد نجلها وريثا للحكم في البلاد، لكن مبارك كان يتردد كثيرا، ويقول للمقربين منه: أنا خايف عليه.. ده ميقدرش على مصر، والبلد اوضاعها صعبة.
النور والنار
يقول المؤلف ان سليمان ظل بعيدا عن الأضواء، وعن الصراعات التي تزايدت حدتها داخل مؤسسات الدولة، ومع ذلك كان كثير من المحللين يقولون دوما: انه الرجل الأقوى في مصر، والمرشح الأكثر حظا لخلافة مبارك، كان يمسك بالعديد من الملفات الداخلية والعربية والدولية، وكان يمضي دائما جنبا الى جنب مع وزير الخارجية احمد ابو الغيط في زياراته الخارجية الى دول العالم. عندما قالت عنه صحيفة ديلي تليغراف البريطانية انه المرشح لخلافة مبارك، وعندما اكدت على ذلك فاينانشال تايمز التي كانت تسميه رجل دبلوماسية الغرف المظلمة، كان جمال مبارك وحاشيته داخل القصر، يعدون المزيد من المؤامرات التي استهدفت ابعاده، وعندما اختاره مبارك مديرا للمخابرات العامة في 4 مارس 1991، جاء محملا بتاريخ طويل في المؤسسة العسكرية، كان آخر حلقاته رئاسة جهاز المخابرات الحربية، لم يكن احد يعرف عنه شيئا، كان يقول دوما: في بلد كمصر، انت كالفراشة عندما تقترب من النور والأضواء ستحترق حتما وبلا جدال.
ويلفت مصطفى بكري الى انه عندما نشر صورة لسليمان في فترة التسعينيات، اتصل به مسؤول كبير في جهاز المخابرات، وقال له: الوزير عمر يترجاك الا تنشر له اي صور شخصية، يقول بكري: لم ابد دهشة او استغرابا، كنت اعرف ان هناك تعليمات صارمة للصحف بالابتعاد عن هذا الملف.
يكمل بكري: كان سليمان صامتا في اغلب الأحيان، ملامحه الصعيدية الجامدة كانت تمنحه هيبة كبيرة في جميع الأوساط، كان ملما بالأوضاع ومحللا عميقا للأحداث، انه الرجل الذي قال عنه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك: استوقفني في كل لقاء جمعني بالوزير عمر سليمان، دقة تحليلاته، وبعد نظره، وقوة التزامه الشخصي، والعزم في خدمة مصر، وكان رجل المخابرات الأول الذي وصفته اميركا بأنه الأكثر دهاء، وكان المصريون يسمونه الرجل الغامض الذي يمتلك وحده مفاتيح الصندوق الأسود.
أنا الصندوق الأسود
يفسر بكري سبب تسمية كتابه بـالصندوق الأسود ويقول:حديث الصندوق الأسود جاء من خلال لقاء عشاء حضره عدد من اصدقائه المقربين، وكان من بينهم اللواء طوسون دعبس، احد كبار رجال المخابرات العامة السابقين، الصديق المقرب من عمر سليمان، وأحمد ابوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، ود. نبيل دعبس، ود. صبري، مدير مستشفى وادي النيل. لقد قال عمر سليمان، وكان ذلك في شهر مارس من عام 2012: اذا جماعة الاخوان متعدلوش، انا الصندوق الأسود وهطلع اللي عندي. في هذه اللحظة تدخل اللواء طوسون وقال له: بلاش يا فندم الجملة دي تتقال مرة ثانية، لأنها خطيرة جدا، وممكن تودي بحياتك. قال عمر سليمان: أنت تعرف يا سيادة اللواء طوسون اني مبخافش. قال اللواء طوسون: ولكن انت كانت عندك اسرار الدولة كلها وده هيفتح عليك نار جهنم، كان عدد الحاضرين في هذا اللقاء نحو ثمانية اشخاص، ثم سرعان ما ترددت هذه العبارة في العديد من وسائل الاعلام، وأثارت ردود افعال كبيرة، لكن الأخطر هو الذي عكسته ردود افعال جماعة الاخوان الذين اصابهم الرعب والفزع من الصندوق الأسود الذي يمتلكه عمر سليمان.
الملفات الساخنة
من الملفات التي كانت بصندوق سليمان ايضا العلاقات المصرية الاثيوبية يقول بكري: كان عمر سليمان يحزن عندما كان يرى ان البعض يغالط الكثير من الحقائق، ويردد الكثير من الأكاذيب، وعندما قام وفد شعبي بزيارة اثيوبيا بعد ثورة 25 يناير راح البعض يردد كلام ميليس زيناوى رئيس وزراء اثيوبيا الذي اتهم عمر سليمان بالعجرفة، وحمله مسؤولية تردى العلاقات بين مصر واثيوبيا.
يقول بكرى يومها سألت عمر سليمان عن ذلك فقال: يعني زيناوي يتهمني بالعجرفة وأهلي يصدقون الغريب، للأسف زيناوي كان معاديا لمصر، ويتحمل وحده مسؤولية ما آلت اليه العلاقات المصرية الاثيوبية بسبب اصراره على بناء سد الألفية، والانتقاص من حق المصريين في كمية المياه المحددة بمقتضى الاتفاقات الدولية.
وقال عمر سليمان: كيف يتصور البعض انني اعمل ضد مصلحة بلدي، لقد بذلت كل ما في وسعي من اجل هذا الملف على وجه الخصوص.
وحكى عمر سليمان اصل الحكاية بالقول: رئيس وزراء اثيوبيا ميليس زيناوي كانت لديه قناعة بأن مصر تساند اريتريا ضده بهدف اسقاط نظامه، وأن مصر كانت تهدف الى السيطرة على افريقيا من خلال مساندة طرف ضد طرف آخر. وقال: ان مصر كانت ضد فكرة سد الألفية من الأساس، وان ذلك كان سبب غضب اثيوبيا من مصر، لأنها رأت ان الحكومة المصرية وعمر سليمان تحديدا يعرقل خطوات اثيوبيا نحو بناء هذا السد. وقال عمر سليمان ان اجتماعا عقد بين الرئيس مبارك وزيناوي بحضوري، وان مبارك قال لـزيناوي: ان مصر لن تسمح بالمساس بحصتها في مياه نهر النيل، وطالبه بضرورة الالتزام بالاتفاقيات الخاصة بذلك. وفي اثناء الحديث قام مبارك بتوجيه سؤال الى عمر سليمان، وقال له: هتعمل ايه يا عمر لو اصرت اثيوبيا على بناء السد، رد عمر سليمان بالقول: لن نسمح ابدا ببناء السد. ثم سأله مرة اخرى، وقال: يعنى هتعملوا ايه؟. ـ قال عمر سليمان: لو تم بناء السد رغما عنا سنضطر الى تفجيره.. واحنا جاهزين.
لم يعلق زيناوي على كلام عمر سليمان، لكن ملامح القلق والغضب ظهرت على وجهه، ومنذ هذا الوقت لم يجرؤ زيناوي على القيام بخطوة بناء سد الألفية الا بعد سقوط نظام مبارك.

“النهار”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.