أعيدوا بناء «السور الأول»
راكان بن حثلين
الواقع الذي تعيشه الادارة العامة للجمارك اليوم ينذر بالخطر، ويستدعي تحركا عاجلا من أعلى المستويات لاعادة بناء هذه الادارة التي تعتبر السور الأول، نظرا لما تمثله من أهمية، ولا سيما أنها بوابة العبور الأول، من والى خارج البلد.
فالادارة العامة للجمارك من أهم المرافق الحيوية في البلد، باعتبارها خط الدفاع الاول تجاه امن واستقرار البلد، وهي بوابة العبور لكل شيء ممكن ان يدخل البلد، سواء كان ضارا ام نافعا، ومن هنا تأتي اهمية هذا المرفق، وضرورة ان يتم الالتفات اليه بصورة عاجلة من قبل القيادة في البلد، والسلطة التنفيذية، لعدة اعتبارات واهمها حجم الخلل الذي يعتريه.
فعلى الرغم من أهمية هذه الادارة، الا أنها تعاني من اختلالات كبيرة وخطيرة في عدة جوانب، فهناك خلل اداري كبير ورهيب يتمثل في عدم وجود هيكل تنظيمي موضوعي ينظم اعمال هذه الادارة، حيث لم تول القيادات المتعاقبة في هذه الادارة الحيوية اي اهتمام لموضوع البناء التنظيمي، ما انعكس سلبا على جميع العمليات الادارية والفنية في هذه الادارة، ناهيك عن حجم التردي في مستوى تدريب وتأهيل الكوادر البشرية.
ومما فاقم سوء الوضع الخلل في الممارسات العملية والادارية للقائمين على هذا المرفق، سواء في عمليات الترقية والتعيين، او في التعاطي مع المتعاملين مع هذه الادارة الحيوية من تجار ومستوردين على اختلافهم، وقد اشار ديوان المحاسبة في تقاريره المتعاقبة الى هذا الأمر، حيث أهدرت وضيعت ملايين الدنانير من حقوق الدولة التي لم يتم تحصيلها، ولم نجد من المسؤولين الحزم في التعامل معها كما شهدنا الحزم في التعامل مع المواطنين.
أضف الى ذلك ان الادارة العليا القائمة على هذه الجمارك لم تبلور استراتيجية واضحة نحو الارتقاء بهذا المرفق وتطويره بالشكل الذي يؤدي الى الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة.
ومن القضايا المهمة والملحة فيما يتعلق بادارة المرفق هو العقد الذي تم ابرامه بين الادارة واحدى الشركات الوطنية نحو ادارة المرافق والخدمات التي تقدمها الجمارك من عمليات التخليص الجمركي والتفتيش وغيرها، حيث تم بخس حقوق الدولة في هذا الأمر ولم تحصل ملايين الدنانير المستحقة للدولة تجاه هذه الشركة، وذلك بسبب تقاعس وقصور الادارة الحالية « ان لم يكن تواطؤها».
ومن الكوارث التي يمكن ان تمر في ظل الصمت والتغافل الحكومي والرقابي أيضا، هو التوجه المطروح حاليا لمنح هذه الشركة الحق في تحديد قيمة الرسوم التي تحصل على الخدمات من المتعاملين، ولا سيما ان هذا العقد يستمر لـ 20 سنة، ما يعطي هذه الشركة الفرصة على طبق من ذهب لمضاعفة رسوم خدماتها كما تشاء.
والأخطر من ذلك كله، الخسارة الكارثية التي يمكن ان يتحملها المال العام، بدفع غرامة يمكن ان تشكل « داو كيميكال» ثانية، نتيجة البند الملغوم في العقد الذي ابرمته الجمارك مع هذه الشركة، والذي يتيح لها المطالبة بمبلغ خيالي في حال الغاء العقد.
وللأسف، يبدو أن سيناريو «الداو كيميكال» يتكرر، في ظل ما يدور من مساومات تتم بين قياديين للتغاضي عن مستحقات للدولة على هذه الشركة تقدر بـ 2.600 مليار دينار على هذه الشركة، ومنها نصيب الادارة العامة للجمارك من رسوم المناولة منذ بداية العقد قبل 5 سنوات، تحت غطاء تجنب الوقوع في فخ الغرامة (600 مليون دينار) التي تطالب بها هذه الشركة.
وفي ظل غياب الرقابة، وعدم تفعيل التشريعات التي تضمن التأكد من عدم وجود تعارض المصالح بحق قيادات الدولة، أصبح بعض القياديين في ادارة الجمارك شركاء في شركات خاصة تحتكر أعمال النقل والتخليص بشكل غير مباشر، لأنها هي القادرة على انجاز المعاملات بسرعة البرق، بينما تتعثر بقية الشركات بكثرة العراقيل التي توضع في طريقها.
ولم يقتصر الفساد على بعض القيادات في ادارة الجمارك، بل وصل الى الحركات النقابية، حيث تحول أحد النقابيين فيها الى «غول» أغرق البلد بالبضائع المقلدة التي تدر عليها ملايين الدنانير، بالتواطؤ مع بعض المسؤولين.
وهذا النقابي صنع لنفسه شبكة في مختلف منافذ البلد، تمرر له البضائع المقلدة، بعد أن نفذ بالكثير من التعيينات لأفراد أصبحوا يأتمرون بأمره، وينفذون له كل ما يطلب، كما أنهم يشكلون قاعدة انتخابية مهمة له في الانتخابات النقابية.
وطالما وجد فاسدون يمكن ان نتوقع أن يحصل كل شيء، ولذلك يجب ان تكون هناك نفضة وتحرك من أعلى المستويات لاصلاح هذا الاعوجاج، فمن يوقف طوفان المخدرات، وعمليات تهريب الأسلحة والممنوعات غير «الجمارك»؟