لا جودة ولا إتقان!
يا سبحان الله, وكأن معظم المشاريع الإنشائية في بلادنا مكتوب لها ألا تُنجز أو تنتهي في موعدها, أو تستمر وتصمد إلا وتلحقها فضائح إدارية وفنية أو شبهات مالية… خذوا عندكم ما جادت به ذاكرتي الضعيفة من أمثلة: مستشفى جابر, استاد جابر, مدينة صباح السالم الجامعية, خرير وتسرب مياه في قصر بيان قبل انعقاد القمة العربية الأفريقية الثالثة, تصدع في سقف وجدران مسجد الدولة الكبير, غرق نفقي شارع الغزالي والفحيحيل السريع جراء انسداد المجاري, انكشاف طبقة الإسفلت وتطاير الحصى في عدد من الشوارع الرئيسية بسبب الأمطار الموسمية, وأخيرا, وليس آخراً, انهيار مظلة الكيربي على رواد قرية الشيخ صباح الأحمد التراثية!
المشكلة ليست بالمال, ولا بادعاء أن نظام إرساء المشاريع على الشركات هو السبب, لكون الدولة تعتمد نظام المناقصة واختيار أقل الأسعار لتنفيذ مشروعاتها. فهذا الادعاء صحيح فقط في مجال تقديم الخدمات, بينما في المشروعات الإنشائية, فإن لعبة شركات المقاولات ومكسبها الحقيقي يكمن في الأوامر التغييرية, وهي لا تأبه بتاتا لقيمة المناقصة, فما بالك, وأنه حتى مع نظام المناقصات, فإن تكلفة المشاريع في بلادنا تفوق أضعافا مضاعفة تكلفة مثيلاتها في دول المنطقة والعالم أجمع. أبداً, المشكلة ليست بالمال, ولكنها في انعدام الجودة والإتقان وغياب الإشراف الحقيقي والأمين, من قبل بعض من عينتهم الدولة كمهندسين وفنيين وملاحظين ومراقبين, ليكونوا عينها التي تتابع وتشرف على أعمال المقاول.
غياب الإشراف وانعدام الرقابة والتساهل وغض البصر عن المقاول, لأسباب شتى, وعدم محاسبته على أخطائه, هو علة العلل, وأذكر أنني طردت مهندسا كويتيا, بحضور زملائه المهندسين العاملين في المؤسسة العامة للرعاية السكنية, لأنه اعترف أمامي بمنتهى الاستهتار والوقاحة, بأن إشرافهم على المقاول الذي بنى البيوت الحكومية في منطقة النهضة يقتصر فقط على صب الأساسات وأعمال الصحية والكهرباء, وما عدا ذلك, يُترك للمقاول وضميره. وكان سبب استدعائي لمهندسي “الإسكان” يومها, انهيار السور الخارجي للمنزل, وتساقط الطابوق الجيري من واجهة البيت! وقد تحديت حينها, “أتخن شنب” من مهندسي “الإسكان” في أن يجد حائطا واحداً في بيوت النهضة بُني بشكل مستقيم!
المفارقة, أن مؤسسة الرعاية السكنية استشعرت الخطر أخيرا, وبدأت بإزالة الطابوق الجيري وإعادة تركيبه من جديد بعدما اكتشفت غش المقاول وتركيبه الطابوق الجيري من دون شبك أو إسمنت! هذا المثال الصارخ الفاضح وما سبقه من أمثلة, كلها تشير إلى أن مسؤولية العيوب الإنشائية وانعدام الإتقان ورداءة الجودة في معظم المشاريع الحكومية إنما تقع في المقام الأول على الجهات المشرفة على هذه المشاريع. فهؤلاء – وأعني فئة المشرفين المتسيبين – هم من ينبغي محاسبتهم ومحاكمتهم وتغريمهم وزجهم في السجون متى ثبت تراخيهم وتقاعسهم, فالمقاول, مهما بلغ من الخبث والدهاء والحرمنة, لا يمكن له أن يلعب بذيله, لو وجد عينا تراقبه وتتابع أعماله!
صالح الغنام *
salehpen@hotmail.com