المناورات الإيرانية.. و«المزاين» الخليجي!
راكان بن حثلين
كم نشعر بالحزن – وبالخجل أحيانا – عندما نقارن واقعنا في دول الخليج العربي بدول تجاورنا، وتشترك معنا في الكثير من الظروف، وكم نتمنى أن نملك شيئا من ارادة شعوب تلك الدول وحكوماتها وصلابتها في تطويع كل التحديات، وازالة كل المعوقات، من أجل شق طريقها نحو صناعة واقع جديد، هو بحد ذاته تاريخ تستذكره الأجيال القادمة لهذه الشعوب بكل فخر.
فبينما تتسابق الأمم من حولنا للنهوض باقتصادها، والارتقاء بعلومها وخدماتها وصناعاتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، نبدع نحن الخليجيين في بعثرة الخيرات التي أنعم الله بها علينا، بعد سنين عجاف مرت على آبائنا وأجدادنا، ونخوض في عمق تاريخ التخلف البشري، لنجلب منه أسوأ العادات والتقاليد ونضيف لها لمسات الحداثة، لنخلق ردة فكرية، ونبتكر مراسم ومهرجانات حديثة، بأنفاس جاهلية، لتكون السيادة ورفعة الشأن لمن يبعثر المال أكثر من غيره.
وقبل أيام، بينما كنا منشغلين في «مزاين» الابل والأغنام والقطط والكلاب، كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية تنظم مناورات «الرسول الأعظم» صلى الله عليه وسلم، لتثبت للعالم أجمع أنها أمة جديرة بالاحترام، استطاعت رغم كل الظروف الصعبة، وحرب الثماني سنوات التي مرت بها، والعقوبات الدولية التي لا تزال مفروضة عليها، أن تتحدى كل القيود، وتتخذ لها مكانا بين الدول الكبرى، كند عنيد لا يمكن تجاهله في كل الحسابات، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية او علمية.
هذه المناورات كانت أشبه باستعراض عضلات، أكدت من خلاله ايران للعالم أجمع أنها استطاعت بجهودها الذاتية، وبسواعد أبناء شعبها، ان تصنع السلاح الذي تقارع به أقوى وأكبر دول العالم، من صواريخ متطورة، وطائرات بدون طيار، وروبوتات مقاتلة، وغيرها من التقنيات العسكرية الحديثة.
ليس ذلك فحسب، بل ان ايران حولت أزمتها الاقتصادية الخانقة التي مرت بها في السنوات الماضية الى فرصة لاستنفار كل طاقاتها، ولا سيما الطاقة الشعبية، من أجل معالجة كل نقاط ضعفها، وتحويلها الى نقاط قوة، فخلقت ثورة في المجالات الصناعية والزراعية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية، تجاوزت بفضلها حد الاكتفاء الذاتي، وتحولت الى دولة مصدرة لمختلف أنواع الصناعات والمنتجات الزراعية والغذائية والدوائية.
وليس ببعيد عن ايران، نجد أن الشعب التركي استطاع في سنوات قليلة أن يتجاوز أزمته الاقتصادية، وأن يحول تركيا من بلد يرزح تحت وطأة الديون المتراكمة، الى بلد ثري، يرتكز على فوائض مالية كبيرة جدا، واقتصاد متين ومتنوع، وسياحة جاذبة للسياح والمستثمرين من كل الدول، وقوة عسكرية يشار لها بالبنان.
ويكفي ان نعرف أنه في كل عام تنشأ في تركيا 250 ألف شقة سكنية، يتسابق على شرائها السياح والمستثمرون من دول الخليج، ومن مختلف بلدان العالم، في حين أن دولا خليجية تعجز عن سد احتياجات شعبها من الوحدات السكنية.
كل هذا يحصل من حولنا، ونحن نعيش في سكرة من بحبوحة عيش لن تدوم الى الأبد، ونتفاخر بارتداء «الغترة» السويسرية، و«الدشداشة» اليابانية، والسيارة الألمانية، ونحن نعلم يقينا أنه «لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع».
وحتى في احتفالاتنا الوطنية، لم نكن كبقية الشعوب نتباهى بمنتجاتنا وصناعاتنا الوطنية، بل كنا نفاخر بانجازات من سبقونا من الآباء والأجداد، والبطولات التي سطرها أبناء شعبنا في الأزمات.
نحن الخليجيين لسنا أقل من الايرانيين أو الأتراك كفاءة أو مقدرة على الابداع أو حتى حرصا على مصالح شعوبنا وأوطاننا وحتى أجيالنا القادمة، ولكن مشكلتنا هي أن الأمر في الكثير من المؤسسات أوكل الى غير أهله، وأصبحت هذه المؤسسات تدار بالمحسوبيات والتبعيات وليس وفقا للكفاءات، بل اننا نعاني من ابشع أشكال احتكار المناصب طمعا أو حذرا – وانعدام الثقة في أهلية الشعوب الخليجية وقدرتها على الابداع في مختلف المجالات.
مشكلتنا هي ان حكوماتنا لا تزال لا تثق بشعوبها، ولا تؤمن بأن التنمية مسؤولية مجتمعية وليست حكومية فقط.
مشكلتنا هي ان حكوماتنا تسلك أقصر الطرق وأيسرها من أجل تسديد فواتيرها، وتأمين الرواتب الشهرية للشعب، دون ان تكلف نفسها عناء البحث عن روافد اقتصادية جديدة، وبدائل للنفط الناضب، او حتى تطوير الصناعات النفطية، بدلا من بيع النفط الخام بأسعار زهيدة، واستيراد مشتقاته بأسعار مضاعفة.
مشكلتنا هي انعدام الرؤية الاستراتيجية للتعليم، وتأهيل الكوادر المطلوبة للصناعات الوطنية، وعدم ادراك ان الصناعة هي العمود الأساس الذي يرتكز عليه بناء اي دول متحضرة، وأنه قاطرة التنمية الاقتصادية.
علينا ان نقف وقفة مع أنفسنا، ونتساءل: ما الانجازات وما التاريخ الذي سيحفظه لنا أحفادنا؟
وعلى حكوماتنا الخليجية أن تعيد النظر في سياساتها قصيرة النظر، وأن تستبدل العقول المتحجرة التي هيمنت على ادارة المؤسسات لسنوات طويلة، وتفتح المجال للعقول المبدعة من الشباب الخليجي ليوظفوا طاقاتهم في خدمة بلدانهم بآليات وأساليب تواكب التطور العالمي.
على حكوماتنا أن تتعامل مع الدول العربية والدول الصديقة بمنظور المصالح المشتركة، وان تحول المنح والقروض التي تنالها تلك الدول الى تمويل استثماري، يساعد تلك الدول على تجاوز مشاكلها الاقتصادية، وفي نفس الوقت يحقق لنا عوائد ماليةعلى حكوماتنا أن تعمل على تفعيل اتفاقيات جامعة الدول العربية، والتي تحمل طياتها التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، بما يحقق الاكتفاء الذاتي، من خلال تمويل المشاريع الزراعية في دول مثل مصر والسودان من عائدات النفط الخليجي، هذه الاتفاقيات التي ظلت حبرا على ورق بعد وفاة الزعيم عبدالناصر.