كيف صاروا هكذا؟!
أعرف تماما شعور اﻷم التي تفقد ضناها ومهجة قلبها، وأعرف نوع اﻷلم الذي ﻻ يمكن ان يتصور حجمه وطبيعته من لم يجربه، وأعرف الحرقة والمرارة التي ﻻ تزول من القلب مهما مر من وقت، وأعرف الدموع التي ﻻ تكف وﻻ تجف أبدا على الرغم من مضي السنوات، ذلك كله أعرفه جيدا، وأتعاطف معه جدا، كما أعرف أنه ابتلاء من الله يصيب به من يشاء من عباده، وفي كل يوم، في جميع بلاد الدنيا، تتحول أمهات الى ثكالى وﻻ حول وﻻ قوة اﻻ بالله العلي العظيم هو وحده الدائم، وﻻ دائم اﻻ وجهه، فنحن ﻻ نملك من أمرنا شيئا كي نرد ما قدره الله علينا، في السنوات القليلة الماضية، ومع انطلاق فعاليات تخريب الوطن العربي فيما سمي خطأً بالربيع العربي، ظهرت على الشاشات أمهات كثيرات يصرخن ويبكين على موت أبنائهن بلوعة شديدة، خصوصا اللواتي فقدن أبناءهن بأبشع الطرق من ذبح وحرق وتقطيع بالمتفجرات، دع عنك اﻷشد وطأة على النفس من ذلك، وهو مشاهدتهن بأعينهن لما حدث ﻷبنائهن من وحشية ﻻ يتصورها عقل في عصرنا هذا، عسى الله ان يلطف بهن، ويمسح على قلوبهن بالصبر، ولكن ماذا عن الطرف اﻵخر، هؤﻻء الذين ارتكبوا بأيديهم فعل الجريمة الوحشية.المجرم الذي مشى بسكينه الحاد المسنون على رقبة أسير بريء لم يضره بشيء، والمجرم الذي أشعل النيران في جسد أسير كان يقوم بواجبه الوطني، والمجرم الذي زرع قنبلة بهدف تقطيع أجساد أبرياء ﻻ يعرفهم زارعها، وليس بينه وبينهم علاقة، هؤﻻء المجرمون وغيرهم من اﻹرهابيين المشوهين نفسيا، هل مروا بما مر به الناس الأسوياء من خبرات وتجارب وأحاسيس زكت منهم النفس، ورققت منهم المشاعر، وأرشدت منهم العقل، وعززت فيهم فطرة البراءة وحب الخير؟ هؤﻻء الوحوش الهمجيون هل أشفقوا في يوم ما على ضعيف، هل أعانوا ذات ساعة محتاجاً، هل تأثروا ذات لحظة لمرض عضال أصيب به حبيب، هل أغمضوا عيونهم عن مشهد مؤلم أو مرعب، هل حملوا في حياتهم المبكرة عاطفة حب لفتاة حلموا بها، وعاشوا حلم تكوين أسرة معها.هل مروا بما يمر به أي انسان عادي من خبرات حياتية تجعلهم طبيعيين، وهل نشأوا في طفولتهم على أساسيات مثل الحرام والعيب والممنوع التي من طبيعتها ان تغرس في داخلهم نفس ما نحمله نحن بين جوانحنا من انسانية ورحمة وعطف على اﻵخرين؟ هؤﻻء الناس هل فيهم من اﻵدمية شيء أم أنهم نبت شيطاني تغذى وارتوى من تعاليم ابليس فنما وكبر على قيمة الشر، وايذاء اﻵخرين.حقيقة ﻻ أعرف كيف نشأ هؤﻻء ولكني أعرف جيدا ان أما ربته وتعبت عليه أم جاء ابن أم أخرى وقضى عليه بلمح البصر، فيا ﻷسفي على الاثنتين، ويا ﻷسفي على القاتل والمقتول.
عزيزة المفرج