استنزاف بري وبحري!
صالح الغنام
بحمد الله, لست عاشقا للبر, ولا هاويا للبحر, فالأول تكفيني فيه “كشته” عابرة, لمدة ساعتين أو ثلاث, والثاني, علاقتي به ليست أكثر من مجرد “View”, أحرص في زياراتي للجزر والدول الساحلية, على أن تكون غرفتي في الفندق تطل مباشرة عليه, وذلك, بداعي الاستغراق في التفكير والتأمل والتمتع بجمال المنظر.
ورغم امتلاك, غالبية أصدقائي لقوارب صيد الأسماك, إلا أنني لم أتأثر بهوايتهم تلك, ولا بأحاديثهم, ولم أقبل أيا من دعواتهم لي لمرافقتهم في رحلات “الحداق”, بل إنني كنت أغيظهم بتعليقات ساخرة على الصور التي تنشرها الصحف لبعض “الحداقة”, وكل منهم ممسك بسمكة هامور أطول وأثقل منه, مع محاولة بائسة ومستحيلة لاصطناع ابتسامة, جعلت أكثرهم يبدو وهو منتفخ الأوداج, وكأن ريحا صرصراً ستخرج منه! فكنت أضحك وأقول: لماذا كل هذا العذاب؟ فإن كان القصد إظهار حجم وطول السمكة, أما كان الأجدى لكم أن تضعوا السمكة على سطح القارب, وتستلقوا الى جانبها? طبعا, الله لا “يوريكم” حجم وكم التعليقات المضادة التي أتلقاها منهم!
الشاهد, أن بيئتنا البحرية, بشهادة الجميع – رسميا وشعبيا – أصبحت خربة وملوثة, وثروتنا السمكية آخذة في التناقص, وفي طريقها إلى النضوب. ورغم ما تسنه الدولة من قرارات وتتخذه من إجراءات للحفاظ على هذه الثروة, بفرض حظر الصيد خلال فترات محددة, فإن هذا غير كاف وغير مجد على الإطلاق. فالصيد الجائر على أشده, سواء من الهواة, الذين يصطادون ما يفوق حاجتهم, وكل ذلك موثق بالصور التي تنشرها الصحف. أو من قبل الصيادين المحترفين المشتغلين بتجارة الأسماك, وهم ممن لا يتورع عن صيد كل سمكة تسبح في البحر, حتى وإن كان حجمها لا يتجاوز بوصة واحدة.
أنا على يقين, أن للصحف دورا ضارا جدا, بسبب تخصيصها صفحات أسبوعية لهواة الحداق, حمست الكثيرين على دخول البحر, وجعلت كل منهم يباهي بصيده الكثير والوفير. إلا أن المصيبة الكبرى, تتمثل في الحكومة التي صارت المتعهد الرسمي الذي يشجع الناس على الصيد الجائر, بل ويمنحهم الجوائز لقاء قيامهم بذلك, فقبل أيام, تم تنظيم مسابقة “الوطية للحداق” اشترك فيها 300 متسابق! تخيلوا 300 متسابق خرجوا إلى البحر في وقت واحد, ليس لاختيار أسرع قارب, أو أفضل سباح, وإنما للتنافس على اصطياد أكبر قدر ممكن من الأسماك. وقد فاز بالمسابقة الحداق الذي اصطاد نحو 15 كيلو غراما من الأسماك!
المفارقة, أن الصحف التي غطت هذا الحدث, نقلت على لسان القيمين على المسابقة والمشاركين فيها, مُرْ شكواهم من الصيد الجائر, ومناشدتهم المسؤولين لوضع حد للاستنزاف الجائر لثروتنا السمكية… أشق هدومي؟
salehpen@hotmail.com
* صالح الغنام