مقالات

الديموقراطية ليست مسابقة عددية!

سامي النصف

في وقت تعمل فيه مصر الكنانة وقيادتها السياسية ممثلة في الرئيس السيسي ورئيس الوزراء النشط إبراهيم محلب بكامل طاقتهم للإعداد للمؤتمر الاقتصادي الذي سيتكفل بالنقلة النوعية لمصر ولإعادتها لخارطة العالم السياحية والاستثمارية، هناك هجمة إرهابية شرسة تروم تعطيل ذلك المؤتمر بحجة واهية هي ان القيادة السياسية المصرية لا تريد الانتخابات البرلمانية وهي كذبة أخرى من سلسلة أكاذيب لا يخلو منها جراب الحاوي.

***

أتى حكم المحكمة الدستورية المصرية الموقرة بوقف الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الشهر المقبل وقبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي العالمي على معطى ان تقسيم الدوائر الانتخابية «لم يلتزم قاعدتي التمثيل العادل للسكان والمتكافئ للناخبين»، فذهبت كل الجهود والأموال التي صرفت للإعداد لتلك الانتخابات ولتحفيز المواطنين للاشتراك فيها أدراج الرياح، ومعروف ان الدوائر الانتخابية يمكن تعديلها في وقت لاحق إبان انعقاد مجلس الشعب القادم دون رش الماء البارد على كل الجهود التي تمت والطعن في كبار الخبراء الدستوريين الذين أعدوا تلك الدوائر.

***

وتقوم فلسفة الديموقراطية وتوزيع الدوائر الانتخابية في العالم أجمع دون استثناء لا على عملية حسابية تمثل فيها كل الدوائر بنفس أعداد الناخبين، بل على نهج التسامح وتمثيل الشرائح المختلفة، صغرت أو كبرت، في البرلمان والتي يمكن ان تختفي حال تساوي الأصوات، لذا تقبل عملية التباينات في أرقام الناخبين من دائرة الى أخرى في الديموقراطية القديمة او الجديدة دون إبطال المحاكم الدستورية لذلك الواقع.

***

ففي بريطانيا أقدم الديموقراطيات يفوق عدد كراسي نواب ويلز عدد كراسي نواب ايرلندا الشمالية رغم ان الأخيرين يتفوقون عدديا على الأولين، وفي أميركا، ام الديموقراطية، نجد ان مجلس الشيوخ وهو المجلس الأعلى في الكونغرس الأميركي مقارنة بمجلس النواب، حيث انه الذي يستطيع عزل الرئيس والمصادقة على تعيين كبار القضاة الفيدراليين وتعيين السفراء، تجد ان ولاية كاليفورنيا (40 مليونا) تمثل بنائبين، حالها حال ولاية ألاسكا (400 ألف) وولاية تكساس (30 مليونا)، تمثل بنائبين كحال ولاية وايومنغ (350 ألفا)، ولم توقف المحكمة الدستورية الأميركية انتخابات مجلس الشيوخ، بحجة عدم التمثيل العادل للسكان والمتكافئ للناخبين.

***

آخر محطة: (1) هذه التباينات بأعداد الناخبين موجودة كذلك في جميع الديموقراطيات العربية دون استثناء، ففي حين يفوز رفيق الحريري في بيروت بـ30 ألف صوت، كانت شقيقته، تفوز بـ 230 ألف صوت في صيدا، وهو أمر موجود في الأردن، حيث يفوز المرشح بـ3 آلاف صوت في عمّان، وآخر بـ 40 ألف صوت في الزرقا.. إلخ.

(2) حجة القول ان الحكم صدر لعدم الرغبة في إعادة الانتخابات بعد انتهائها بسبب الطعون اللاحقة المعتمدة على فروقات أعداد الناخبين، مردود عليها بأن المحكمة الدستورية لو ردت الطعون الحالية التي قدمت ضد عدالة التمثيل، وأوضحت ان العدالة لا تقتضي المساواة العددية، وان المجلس يستطيع، لو أراد، تعديل الدوائر، لأمكن استخدام السند نفسه في رد الطعون اللاحقة دون الحاجة لإعادة الانتخابات، فالديموقراطية ليست اختراعا عربيا، وهي عملية ممارسة منذ قرون في الدول المتقدمة التي يمكن الاستفادة من تجربتها!

samialnesf1@hotmail.com

salnesf@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.