«المديونيات الصعبة» .. لمصلحة مَنْ؟!
راكان بن حثلين
في كل الدول الديموقراطية التي تحترم عقول الناس، تسير التشريعات على أساس تغليب مصالح «العامة» على مصالح «الخاصة»، وترتيب الأولويات وفقا لما تقتضية مصلحة البلد وأمنها واستقرارها، الا في الكويت نرى التشريعات تسير بعكس اتجاه العقل والمنطق.
فنجد التغييب المتعمد للقضايا الملحة والمستحقة، والتي تهدد أمن واستقرار البلد، مثل «البدون» و«أبناء الكويتيات» و«البطالة» في أدراج اللجان البرلمانية، وفي كواليس مجلس الوزراء، بينما تتصدر واجهة الأولويات التشريعية القوانين والتشريعات ذات الصبغة «التنفيعية».
وآخر هذه التشريعات الجدلية قانون «المديونيات الصعبة» الذي اقرته اللجنة التشريعية الأسبوع الماضي، والذي يعيد الى الأذهان خسارة الدولة مبالغ ضخمة تقدر بـ 6 مليارات دينار اثر تسوية المديونيات الصعبة في عام 1993، والتي يوصف بأنه مكافأة لحفنة من التجار بددوا أموالهم في المضاربات الخاسرة، بدلا من معاقبتهم على اضرارهم بالاقتصاد الوطني، ومدخرات صغار المتداولين.
وليس الاعتراض هنا على مساعدة التجار على تجاوز الأزمات، أو الأخذ بأيديهم من أجل تعديل اوضاعهم المالية، فهذا الأمر مطلوب وواجب على الدولة، بل اننا نرى ضرورة تمكين من تم استثناؤهم من القانون 41/1993، من حقهم في تسوية مديونياتهم عن طريق الصلح الواقي من الافلاس، اذا كانوا فعلا قد تم استثناؤهم من القانون آنف الذكر بشكل غير عادل، ولكن على ألا يتم هذا الأمر من خلال التفريط بمستحقات الدولة من الغرامات المترتبة عليهم فهذا أمر مرفوض، ولا سيما أن المجلس والحكومة رفضا التعامل بالمثل مع قروض المواطنين.
والغريب أننا دائما نلجأ الى الاستثناءات التشريعية التي تجعل تسوية الأوضاع خاضعة للمزاج التشريعي والتنفيذي، وللمحسوبيات والترضيات، بدلا النأي بالسلطتين التشريعية والتنفيذية عن الشبهات، وتمكين السلطة القضائية من الفصل في التظلمات سواء كانت النتائج في صالح التجار او في غير صالحهم، بدلا من استحداث تشريعات وقتية تدور حولها الشبهات.
فمثل هذه التشريعات اذا تمت تشكل اخلالا بالدستور، وانتهاكاً لمبدأ العدل والمساواة الذي يقتضي ان يحاسب الجميع بمسطرة واحدة، وتحمل في طياتها التشجيع لكل مواطن على الاقتراض بمبالغ كبيرة، وعدم الالتزام بسدادها، ومن ثم المطالبة باسقاط كل الفوائد والغرامات المترتبة عليها، كما أن هذه التشريعات ستغرق البلد في فوضى مالية من الصعب احتساب نتائجها.
خروج هذا القانون بشكل مفاجئ الى العلن، من بين أولويات متراكمة لقضايا أكثر الحاحا واستحقاقا، أمنيا وسياسيا وانسانيا، في هذا التوقيت وفي ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، يبرر الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول أهداف القانون، و«لمصحلة من» ؟ ربما يكون هناك فعلا أشخاص ظلموا في تطبيق قانون «المديونيات الصعبة»، وأن هناك نواباً في المجلس الحالي تحركت ضمائرهم لانصاف هؤلاء المتضررين، ولكن لماذا لا تتحرك الضمائر الا في القضايا المالية التي تحوم حولها «شبهات التنفيع» ؟ ولماذا تغط هذه الضمائر في سبات عميق تجاه القضايا الانسانية غير الربحية مثل قضية «البدون»؟أو ربما تكون اثارة هذه القضية في الوقت الراهن «بالون اختبار» لردة فعل الشارع الكويتي تجاه مثل هذه التشريعات، او محاولة لاشغال الشارع عن جملة من القضايا المثارة على الساحة السياسية، وخلق مشهد سياسي جاذب ومستقطب للمتابعين، يخرج في نهايته عدد من النواب بأدوار البطولة.