المربع الأول!
صالح الغنام
سأفشي لكم سراً, وأرجو أن تكتموه, ففي قرارة نفسي, أتمنى أن تتحقق مطالب المعتصمين, هذا هو شعوري الداخلي الذي أصارحكم به. فبالفعل, أنا أتمنى تحقق هذه المطالب من دون أن أتبناها, وكي لا نتوه كثيرا, لنستعرض مطالب الشباب الداعين للاعتصام, وهي مطالب استنسخوها حرفيا من بيان صدر قبل أيام باسم التيار التقدمي الكويتي, وهي كما يلي: “حل مجلس الأمة. إجراء انتخابات جديدة بنظام انتخابي جديد. رحيل الحكومة. إصدار قانون عفو عام عن المدانين في قضايا الرأي. إلغاء قرارات سحب الجنسية. وقف نهج الملاحقات, وأخيرا, حكومة منتخبة”.
هذه هي مطالبهم بلا زيادة أو نقصان, ولو تفكرنا فيها مليا, سنجد أن السلطة متى نفذتها, فإنها ستعيدنا إلى حقبة تتطابق كليا مع تلك الحقبة التي تولى فيها سمو الشيخ ناصر المحمد رئاسة الوزراء! لا ترفعوا حواجبكم استغرابا, راجعوا مطالبهم وتأكدوا بأنفسكم. ففي عهده, كانت المجالس مفتوحة لهم, والانتخابات بنظام الأربع أصوات, ولم يكن هناك سحب جناسي, ولا سجناء رأي ولا ملاحقات ـ بالشكل الذي يقصدونه ـ ما يعني, أن لا داعي إطلاقا لإصدار قانون عفو عام. فهل مطالبهم هذه هي التي ستحقق “الإصلاح المنشود” وتوقف “حالة التدهور في البلاد”, وبها يتم “استكمال التطور الديمقراطي”? أرجو التركيز على العبارات بين مزدوجين, لكونها منقولة حرفيا من البيان.
إن كانت الإجابة بـ “نعم” فهذه مصيبة المصائب. إذ كل ما يطالبون اليوم بالعودة إليه, كان بين أيديهم وفرطوا به, ومع ذلك, لم يحققوا “الإصلاح المنشود”, ولم يوقفوا “حالة التدهور في البلاد”, ولم “يستكملوا التطور الديمقراطي”, فلماذا الآن سيتحقق كل ما سبق بالعودة إلى ما سبق? وهل صارت أقصى أماني وطموحات المعتصمين, العودة إلى المربع الأول, هل هذا فعلا ما يريدون الرجوع إليه, أم أن اندفاعهم العاطفي, جعلهم يغفلون عن تغليف مطالباتهم ذات الملامح والدوافع الشخصية, بأخرى وطنية تستلهم همم الناس وتجعلهم يتحدون على قلب رجل واحد?!
أما بشأن المطالبة بالحكومة المنتخبة, فهو مجرد شعار مشروع, سيتحقق في وقته وأوانه, شأنه كشأن شعار المطالبة بتعديل النظام الانتخابي, الذي استغرق تبنيه لأكثر من 20 عاما إلى أن تم تغييره ـ للأسوأ طبعا ـ وكذلك, كشأن شعار المطالبة بفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء. فمثل هذه الشعارات, تحتاج إلى نفس طويل, ولا بأس أن تكون موجودة على أجندة المطالبات, ولكن أبدا, لا يمكن اعتبارها مطلبا شعبيا ملحا. فما بالك وإن من يرفع شعار الحكومة المنتخبة, لا يفعل ذلك, عن قناعة, وإنما يستخدمه كبعبع يناكف به السلطة… ختاما, هذا ليس انتقادا, فقد توقفت منذ زمن عن انتقاد من يصنفون أنفسهم كمعارضة. لكن على الأقل, اشتغلوا صح, وتبنوا مطالب إصلاحية لا شخصية, عشان ننساكم ونصد عنكم!
* صالح الغنام
salehpen@hotmail.com