بالـ 100 ألف .. يكون الحراك أو لا يكون
لم يكن يتحدث من فراغ عندما نادى النائب السابق مسلم البراك بحشد 100 الف مواطن في ساحة الإرادة ، هذه الوصية التي أطلقها في أخر لحظات له بين قواعده الشعبية ومحبيه ، وقبل ان توضع بيده الأصفاد كأقوى سجين سياسي مر على تاريخ الكويت وأكثرهم شعبية، لم تكن إلا قناعة وإيمان حقيقي بأن احتشاد هذا العدد من المواطنين ، والتزامهم بـ”السلمية” التي شدد البراك على ان تكون هي السلاح في المرحلة المقبلة ، سيقلب الطاولة رأسا على عقب ، وسيعيد الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح إلى أوجه ومجده ، وسيجبر السلطة على النزول عند مطالب الشعب ..إطلاق سجناء الرأي.. وحل
البرلمان .. وإلغاء “الصوت الواحد”.. ومحاسبة الفاسدين ..واستعادة الأموال المنهوبة من الشعب .
رهان البراك على الـ 100 ألف هو نتاج قراءة واقعية للنتائج الملموسة التي حققها الحراك الشعبي في المرحلة الماضية ، والذي حقق سابق في تاريخ الكويت السياسي ، بل والمنطقة العربية بشكل عام ، بأن أدى إلى إسقاط مجلس وحكومة وصفا بالفساد.
ورغم حالة الإحباط التي تسود بين عدد كبير من الشباب الذين دعوا إلى النزول إلى ساحة الإرادة ، بسبب عدم تحقيق العدد المطلوب خلال التجمع الذي أقيم مساء أمس “الأثنين” ، إلا أن المتابع لسيرة الحراك ومراحله يجد أن الأعداد التي حضرت في التجمع الأخير ، يمكن أن تشكل نواة لزحف شعبي كبير ، يمكن ان يفوق من الأعداد كل التجمعات السابقة.
فبإجراء مقارنة بسيطة مع التجمعات التي بدأت في عام 2011 نجد أن التجمعات الاولى التي شهدتها ساحة الإرادة اقتصر الحضور فيها على بضع عشرات ، بما فيهم النواب والمقربون منهم ، وذلك رغم التركيز الإعلامي على تلك التجمعات ، وصداها داخل البرلمان أيضا ، ولكن الأعداد بدأت في التزايد في التجمعات اللاحقة إلى بضعة مئات ، ثم بضعة آلاف … ثم كان الحشد الكبير الذي بلغ في أقل التقديرات عشرات الآلاف ، والذي أدى إلى إعلان حل البرلمان وإقالة حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد .
بينما نجد في التجمع الأخير ، وهو ثاني تجمع يقام بعد سجن النائب السابق مسلم البراك أن الأعداد بلغت في أقل التقديرات بضعة آلاف ، في ظل غياب الدعم الإعلامي ، وانعدام التمثيل البرلماني للمحتشدين ، وبالتالي فإن هذا الأمر يعطي مؤشرا على أن عودة الحراك إلى سابق عهده لن تكون صعبة ، وأن حشد الـ 100 ألف مواطن يمكن ان يتحقق دون الحاجة إلى الدعم الإعلامي ، او التمثيل البرلماني ، وخلال أسابيع قليلة ستشهد تزايدا طرديا لعدد المتفاعلين مع قضية البراك وبقية المعتقلين.
السلبيات التي شهدها الحراك الشعبي في المرحلة الماضية ، والتي أدت إلى تثاقله وتوقفه في منتصف الطريق، نتيجة التناقضات التي ظهرت بين أعضاء “الأغلبية” ، وعدم التفافهم حول قائمة موحدة من الأهداف والمبادئ، وانشقاق جزء كبير ومهم من مكونات الحراك نتيجة تنامي الطرح الطائفي والفئوي، كل هذه السلبيات يمكن أن تتحول إلى إيجابيات ، وعبر ودروس تمكن العناصر “الوطنية” من قطع الطريق أمام كل محاولات السلطة او الأقطاب السياسية لتمزيق الحراك وتشتيت جهوده وتوجهاته، وتؤدي إلى عزل كل العناصر التي يمكن أن تتحول إلى أداوات تستغل لتمزيق الحراك، ولا
سيما العناصر التي أجتمع من تحقيق أهداف آنية ، بعيدا عن المبادئ الدستورية والقواعد الديمقراطية الحقيقية ، ولا سيما العناصر المنتمية إلى الأحزاب والتيارات الدينية.
ولا شك ان حالة”جلد الذات” التي عاشتها المعارضة في المرحلة الماضية، ساهم في عدول الكثير من عناصر المعارضة عن مواقفهم وآرائهم وممارساتهم السابقة ، أو أدى إلى تحجيمهم بشكل كبير، كما أنه يمكن أن يتبعه “فرز” يجريه الشباب الفاعل في الحراك لكل الوجوه السياسية التي تصدرت المشهد في المرحلة السابقة، وإحلال لوجوه جديدة أثبتت صمودها أمام الضغوط والمغريات على قاعدة مبادئ لا تتبدل بتدل المعطيات.
بالـ 100 ألف فقط ، تتحقق حرية البراك وغيره من المعتقلين ، والإصلاحات السياسية “ذات السقف المعتدل” ، وإلا فإن الحراك الإصلاحي سيدخل في غيبوبة ، يمكن أن يفيق منها على وقع الندوات التمهيدية لانتخابات 2017 ، او ان تستمر هذه الغيبوبة عشرات السنين .