زمن القباحة
كمر السحاب تمر بنا اﻷحداث خلال مراحل عمرنا، بعضها يختفي ويتلاشى وﻻ يبقى له أثر، وبعضها يبقى عالقا في الذاكرة كأثر باهت، أو كبقعة على قماش أبيض تأبى ان تزول، والقليل منها يلتصق بالذاكرة التصاقا ﻻ تمحوه السنوات، وﻻ تذهب به اﻷحداث، ويظل عالقا بالذهن ما لم تتعرض – أي الذاكرة – للفقدان أو يتعرض صاحبها لمرض الخرف أو الزهايمر.في منتصف التسعينيات كنت في الوﻻيات المتحدة، واشنطن دي سي، في سيارة تسير بنا في شارع شبيه بشارع الحب الشهير عندنا مضروب في عشرة.مراهقون وأضواء وصخب وموسيقى وسيارات، ثم حدث شيء لم نتوقعه كعرب مسلمين قادمين من الخليج.كانت حركة قبيحة قامت بها فتاة ﻻ يزيد عمرها على ستة عشر عاما جعلتنا نشهق من الصدمة والدهشة حيث انحنت أمام السيارات المتوقفة خلف السيارة المفتوحة التي كانت فيها، ورفعت تنورتها القصيرة أصلا، لكي يتمكن كل من في الخلف من رؤية ملابسها الداخلية، والحمد لله أنها كانت ترتديها.لم تكن هناك فائدة من التساؤل حول المبرر لتلك الحركة بالغة القذارة، ولكن يمكن القول ان قلة الحياء الشديدة تلك أخذت سنوات طويلة حتى تنمو وتزدهر في الوﻻيات المتحدة الأمريكية والدول اﻷوروبية كذلك، وﻻ ننسى أفلامهم القديمة حيث النساء ترتدين الملابس الطويلة الساترة، وتراعين اﻷخلاق العامة، وحيث العذرية أمر شديد اﻷهمية للزواج، علاوة على اﻻهتمام بالكلام المهذب والسلوك الحسن ﻷن التصرف بوقاحة سينعكس سلبا على سمعة الفتاة بين الناس، وربما عطل زواجها من سيد نبيل محترم.ديننا اﻹسلامي يحض على الحياء، ويعتبره شعبة من شعب اﻹيمان، لم يدخل في شيء اﻻ زانه، ولم ينزع من شيء اﻻ شأنه، واﻷنثى بلا حياء كأرض قاحلة جرداء بلا خضرة وﻻ ماء، ﻻ يصيب منها المرء اﻻ الجوع والظمأ، وما أبشع اﻷنثى بلا حياء.الحياء في وقتنا هذا لم يعد أمرا مهما للأسف الشديد واستبدلت به القباحة وهي، أي القباحة، شوهت نواحي كثيرة في حياتنا فهناك اﻷغنية القبيحة، وهناك الرقصة القبيحة، وهناك اللوحة القبيحة، والصورة القبيحة، والفيلم القبيح، والكلام القبيح، والسلوك القبيح أيضا، كذاك الذي نقلته لنا وسائل التواصل اﻻجتماعي لفتيات لم يتبعوا (واذا بليتم فاستتروا) ورضوا على أنفسهن وأسرهن الفضائح العلنية.القيم كما نلاحظ في انحدار شديد، وبلادنا تفقد تدريجيا أخلاقيات المجتمع المحافظ ﻷسباب ليس هنا مجال تعدادها، ويا خوفنا يجي يوم وتفعل فتاة كويتية مراهقة ما فعلته يوما ما تلك اﻷمريكية في شارع الحب اﻷمريكي.
عزيزة المفرج