ألم وهم!
صالح الغنام
مضى نحو خمس سنوات منذ كتبت مقالة بعنوان: “عيد الهم”, تساءلت فيها عن سر إصرار محطات الإذاعة والتلفزيون على تحويل مناسبة عيد الأم في كل عام, إلى يوم تذرف فيه الدموع, وتُلطم فيه الخدود, وتُشق فيه الجيوب, وتنتشر فيه الكآبة, بدعوى التعبير عن حب الأم؟ حقيقة, لا أفهم سر الإصرار بتكرار المناحة كل عام, وتعمد الاستمرار ببث وإعادة بث, وإنتاج أغان تقطع القلب, وتنافس أثقل المواويل العراقية حزنا, لشدة ما فيها من ألم وشجن و”ضيقة” خلق!
في عيد الأم… تفتح الراديو, فتستمع إلى مطربين ومطربات يزعقون بكلمات مكررة المعنى لكن بصياغة مختلفة, وكلها من شاكلة: “آآآآآه يا يماااا”. “ربيتيني وأنا صغير يا يماااا”. “أنام الليل وانتي سهرانة يا يمااااا”. “انتي اللي وديتيني الطبيب يا يمااا”. “أصحى من نومي القا الريوق جاهز يا يمااااا”. “يوم اعتزت فلوس, محد عطاني غيرج يا يماااا”. “لما بالمدرسة طقوني, رحتي عند الناظر تشتكين يا يماااا”… طبعا كل هذا النواح الهستيري, حتما ولابد أن يكون مصحوبا بموسيقى حزينة, وإلا كيف يكون ليوم الأم معنى؟
سامحوني إن أنا غردت خارج السرب, فحين استعيد ذكرى والدتي. رحمها الله, أجد الابتسامة ترتسم تلقائيا على محياي, فأتذكر لحظات التغزل بها, وتدليلي إياها بمناداتها باسمها حاف, وما كنت أدبره لها من مقالب, وما أسرده لها من نكات وتعليقات ومواقف ساخرة تجعل ضحكتها الصافية تجلجل في أرجاء المنزل… باختصار, هذا ما أحمله من ذكرى لأعز مخلوق زرع في نفسي البهجة والفرح والسرور والانبساط, أما قصة إن الأم “تحمم” ابنها, وترضعه, وتسهر عليه في مرضه, فهذا هو الدور الطبيعي للأم, ولا أدري لماذا البكاء والنواح كلما استعرض منتجو الأغاني هذه التفاصيل الصغيرة؟
أتمنى من صناع الأغنية, أن يكتبوا نصوصا تبين “غلاوة” الأم, بعيدا عن اجترار الهموم والكآبة, ويصيغوا بألحان سريعة راقصة ومبهجة, أغاني تجعلنا نحتضن أمهاتنا بقوة, ونتمايل معهن فرحا ورقصا وطربا. فعيد الأم, يفترض أن يكون مناسبة سعيدة لتكريمها, والاحتفاء بها, وليس الهم والبكاء منذ الصباح الباكر, وفي المساء, يذهب الباكون لأمهاتهم وفي يد كل واحد منهم صندوق كبير تم تغليفه بعناية, فتفتح الأم الهدية وهي فرحة, فإذا بها عبارة عن جهاز “ميكرويف”… “يعني من الصبح تبكي, آآآآه يا يما, وآآآآه يا يما وآخرتها ميكرويف”؟
salehpen@hotmail.com