لماذا اصطدمت «الألمانية» بالجبال؟!
سامي النصف
لفترة طويلة كان قيام الطيار بالاصطدام بطائرته المتحكم فيها بالجبال، أي الظاهرة التي مختصرها (CFIT) أحد الأسباب الرئيسية لحوادث الطيران وقتل الركاب، وقد كانت تلك الظاهرة تحدث في عملية الاقتراب والهبوط بمطارات تحيط بها مناطق جبلية، إلا أن تطوير أجهزة الإنذار المبكر بوجود مرتفعات وتكثيف عمليات تدريب الطيارين على سرعة التجاوب مع أجهزة الإنذار حد كثيرا من تلك الظاهرة.
***
حادث طائرة الإيرباص 320 التابعة لشركة «جيرمن وينغز» المملوكة لشركة «لوفتهانزا» الألمانية التي وصلت لارتفاع 38 ألف قدم ثم انخفضت سريعا لتصطدم بعد 8 دقائق بالجبال، به كثير من الأمور المستغربة، منها عدم إعلان الطيار لحالة الطوارئ أو وضع رقم الطوارئ في جهاز الترانسبوندر، وعدم الاستدارة للابتعاد عن الجبال بدلا من التوجه لها كما حدث، وعدم التحليق الشراعي بالطائرة، أي الانخفاض الخفيف بدلا من الحاد للأسفل، وهو ما كان سيبقيه محلقا لمدة 38 دقيقة تؤهله للهبوط الآمن في كثير من المطارات الأوروبية القريبة وخاصة الساحلية منها في حال الاستدارة للخلف.
***
لذا، فاحتمال أسباب الحادث وخاصة لطائرة عمرها نحو ربع قرن والتي تأخر إقلاعها من برشلونة نصف ساعة لربما لأسباب فنية لم يعلن عنها رغم تكرار أسئلة الإعلاميين لممثلة الشركة في مؤتمرها الصحافي، هو حدوث تخلخل بالضغط نتيجة لخلل فني أدى الى فتح (out flow valves) المسؤولة عن المحافظة على الهواء داخل الطائرة، مما أدى الى فقدان سريع للأوكسجين على ذلك الارتفاع الشاهق، أدى بالتبعية الى فقدان الطيارين للوعي بعد أن يكونوا قد وجهوا الطيار الآلي للتحليق بالطائرة سريعا الى الأسفل، وقد يكون تخلخل الضغط نتج عن سقوط أجزاء منها كأحد أبوابها.. إلخ.
***
ولا يستبعد في حالة الحوادث الغريبة وغير المبررة كحال حادث الطائرة الألمانية أي احتمال مثل حدوث عمل إجرامي من الركاب أو حتى الطيارين، وهو سبب آخر لعدم الحديث مع البرج، فالطيار في النهاية بشر، وليس حديدا، يتعرض كغيره للصعوبات والمشاكل والضغوط النفسية التي تصل به الى حد الانكسار فـ.. الانتحار.
***
وقد حاول بعض كبار الخبراء في حوادث الطيران الذين التقتهم المحطات الإخبارية تبرير عدم حديث الطيار لمدة 8 دقائق مع البرج بأن سببه قاعدة لدى الطيارين تقول عليك أولا بالتعامل مع الطارئ أو الخلل ثم الاهتمام بجهاز الملاحة وأين تتجه الطائرة وأخيرا الحديث مع البرج، وهذا كلام غير دقيق على الإطلاق فهذه القاعدة محددة بالثواني الأولى لوقوع إشكال بالطائرة، حيث لا يجوز لأحد الطيارين الانشغال عنه بالحديث مع البرج، إلا أنه بعد الثواني أو الدقيقة الأولى أو الثانية يجب الحديث مع البرج نظرا لوجود طائرات أخرى على ارتفاعات وأماكن مختلفة يمكن الاصطدام بها إذا بدأ الطيار بالارتفاع أو النزول دون إذن من برج المراقبة، مرة أخرى سبب عدم الحديث مع البرج لمدة قاربت 10 دقائق إما فقدان الوعي أو عمل إجرامي من الركاب أو الطاقم.
***
آخر محطة: (1) كان المؤتمر الصحافي الذي عقدته ممثلة الشركة بعيدا عن المهنية، حيث تكلمت بما يعرفه الجميع ثم فتحت الباب للأسئلة التي أجابت عن معظمها بعدم العلم، كسبب تأخر الطائرة في برشلونة، وادعت عدم العلم بالعثور على الصندوق الأسود الذي أعلنت عنه جميع المحطات الإخبارية قبل ساعة من المؤتمر.
(2) أسوأ ما يمكن لشركة طيران عمله في حال وقوع حادث هو خسارة عطف أهالي الضحايا عبر عدم الاهتمام بهم، أو خسارة وسائل الإعلام بتعمد تركهم في الظلام، حيث سيحصلون على المعلومات من مصادر أخرى قد لا تسر الشركة.
(3) تبقى طائرة الإيرباص 320 إحدى أنجح وأكثر الطائرات أمنا، حيث يوجد منها ما يزيد على 6 آلاف طائرة والذي يريد شراءها عليه الانتظار لمدة 7 سنوات لتسلمها، ولا تمر 5 ثوان إلا وتوجد عملية إقلاع أو هبوط تقوم بها تلك الطائرة.
samialnesf1@hotmail.com
@salnesf