العرب الحمر
راكان بن حثلين
بعد ان كانت الفوائض المالية المتراكمة حرام على الشعوب، وبعد ان كانت الحكومات العربية تعض النواجذ على هذه الفوائض بحجة انها ركيزة التنمية الموعودة، والعصا السحرية التي ستعالج المشاكل المتراكمة في الدول العربية، تحولت هذه الفوائض الى وقود للحرائق التي يشتعل بها وطننا العربي من اقصاه الى اقصاه. وها هي المؤسسات الاقتصادية والبنوك العالمية، تقدر خسائر 6 دول عربية ضربها «الربيع العربي» بـ 800 مليار دولار خلال 3 سنوات فقط، ذلك طبعا قبل ان تدخل دول الخليج في مواجهة مع المعارضة اليمنية.
هذه الاحصائيات بكل تأكيد هي اقل بكثير من الخسائر الحقيقية، لأنها لا يمكن ان تشمل خسائر الأفراد والممتلكات الخاصة، كما انها لا تشمل التكاليف المطلوبة لأعادة اعمار ما خربته الحروب.
ففي سورية وحدها تبلغ التكاليف في اقل التقديرات 200 مليار دولار، ناهيك عن الخسائر التي لا يمكن تعويضها، كالأرواح التي ازهقت نتيجة هذه الحروب، والمعالم التراثية والسياحية التي تم تدميرها، فضلا عن الآثار بعيدة المدى على الأمن الاجتماعي والوطني.
ولو عدنا الى بذور هذا الربيع المشؤوم، لوجدنا ان هذه الأموال التي احرقت بنار الفتن والحروب، كانت تكفي لاطفاء النار، وتحقيق استقرار يمتد الى عشرات السنين، وربما كانت تكفي ايضا لصناعة واقع جديد للدول العربية، لا تكون فيه هي الحلقة الأضعف في خارطة العالم. ولكن ماذا نقول؟ هكذا هي العقلية العربية لحكومات كان يمكن ان تطفئ كل الثورات التي انطلقت من معاناة ازلية لهذه الشعوب، نتيجة تعنت وتعسف حكومات شاخت على عروشها وعقلياتها، وصمت الآذان عن كل المطالبات المستحقة لشعوبها، وغلبت استشارات وصوت محيط متنفع على صوت العموم.
ولعل من ابرز اسباب الربيع العربي، انتشار ظاهرة البطالة، وضجر الشباب ووصولهم الى مرحلة اليأس، نتيجة ضياع احلامهم وسط اولويات حكوماتهم، وتحول هؤلاء الشباب الى «ثورجية»، يسهل على التيارات السياسية والمؤسسات الاعلامية الموجهة، اثارتهم وتحويلهم الى عناصر هدم وتدمير، بدلا من ان يكونوا ركيزة اساسية في البناء والتعمير.
فمعدلات البطالة بلغت حدا قياسيا، وكل المؤشرات والاحصائيات كانت تدق نواقيس الخطر، ولكن الحكومات كانت تغط في سبات عميق، ولم تعر هؤلاء الشباب اي اهتمام، وبدلا من استنفار الجهود من اجل توظيف الفوائض المالية في انشاء مشاريع تنموية حقيقية تخلق لهؤلاء الشباب فرص العمل التي يحلمون بها، كانت هذه الحكومات تستنفر اجهزتها الأمنية لقمع المطالبات المستحقة، بشكل اخرج هذه المطالبات من السلمية الى العنف.
ما حصل وما سيحصل مستقبلا.. هل هو نتيجة غباء او انعدام رؤية لدى الحكومات العربية؟ لا اعتقد ذلك، بل ان ما حصل وسيحصل هو تنفيذ لمخططات غربية نجحت في تطويع عالمنا العربي، وتحويله الى مصدر تمويل لموازنات الدول الغربية التي لجأت الى معالجة مشاكلها الاقتصادية من خلال تجارة الحروب، واستطاعت ان تحول المنطقة العربية الى سوق مفتوحة لبيع السلاح،وأرض خصبة وهشة امام كل المشاريع والمخططات الأزلية، الهادفة الى اضعاف الامتين العربية والاسلامية والتحكم في مقدراتهما.
ما يحصل في عالمنا العربي والاسلامي هو تفعيل للاستراتيجية التي طرحتها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في 2006 عن «الشرق الأوسط الجديد» و«الفوضى الخلاقة»، وتحقيق لرؤية المستشرق برنارد لويس التي اقرها الكونجرس الأميركي رسميا للشرق الأوسط القادم، حينما قالوا ان الثقافة الاسلامية اذا غزتنا دمرتنا، وسنعيدهم الى الاستعمار ونستفيد من اخطاء البريطانيين والفرنسيين، ونعمل بهم كما عملنا بالهنود الحمر ليتقاتلوا فيما بينهم.
لقد تحولنا بسبب ابتعادنا عن المبادئ والأهداف الحقيقية للاسلام، الى «عرب حمر» نركب كل موجة تعصب طائفي او فئوي، ونتقاتل فيما بيننا، ونحرق كل جميل في بلداننا، ونهدم كل حصون منعتنا وقوتنا وعزتنا بأيدينا، حتى اصبحت الأرض العربية ساحة مشكوفة، ومسرحا لتنفيذ مخططات الأعداء، وربما لسنا ببعيد عن ان نكون عبيدا تحت وصاية اعداء امتنا، ونعيش على ما يجود به علينا هذه العدو من فتات خيرات اوطاننا.