مقالات

أضعنا روسيا!

صالح الغنام

لو فتشنا في خريطة العالم, عن دولة يمكن لها أن تنافس أميركا أو تحل محلها, لما وجدنا. فأميركا وهي تتسيد الدنيا, لم تعتمد فقط على النذالة ومعايير القوة, ولكنها اجتاحت العالم ببنطلونات الجينز وبأفلامها وإعلامها وصناعاتها وثقافاتها ورياضتها ورقصها وفنونها ودعارتها, وسجائرها ومخدراتها, ونمطها الاستهلاكي ووجباتها السريعة. ومن يرشح الصين لتبوؤ هذا الدور, فهو واهم. فالصين التي احتلتها اليابان, قد تنافس أميركا اقتصاديا, ولكن يستحيل لبلد تقوم ثقافته على الأساطير والخزعبلات والأرواح الشريرة أن يسود العالم, وثانيا, لأنها قبلت على نفسها أن تكون مصنعا لإنتاج البضائع الرخيصة والرديئة والماركات المقلدة, ودولة هذا شأنها, لا يستقيم منطقيا أن تقود العالم!
ولو التفتنا صوب الهند, سنجد أنها الأمة الوحيدة التي سبقت أميركا في نشر ثقافتها عالميا, ولوجدنا فيها من المقومات ما يجعلها تتسيد العالم. ولكن المشكلة تكمن في طبيعة الشعب الهندي الذي يغلب عليه طبع المسالمة والخنوع, فالهنود, ومنذ ما قبل الميلاد, وبلادهم تتعرض للغزو, ولم يبق إمبراطورية فارسية, أو إغريقية, أو إسلامية, أو مغولية, أو بريطانية, إلا واحتلت الهند. هذا فضلا عما لحق بأرضها من تقسيم وانشطار, ومثل هذا الإرث النفسي السالب, لا يسمح لأمة كهذه أن تترأس العالم, وإن تفوقت تكنولوجياً على أميركا… إذاً, لم يبق إلا روسيا, فهذه, وإن كانت متخلفة عن أميركا في نواح عديدة, إلا أنها تكاد تكون الدولة الوحيدة القادرة ميدانيا على تهديدها أمنياً ومواجهتها عسكريا.
الغريب, أن روسيا – أو الاتحاد السوفياتي سابقا – لم تجد منا ريقا حلوا, رغم مناصرتها لنا في كثير من القضايا, والسبب كما قيل, اعتناق السوفيات الفكر الإلحادي, وهو سبب ساذج ومضحك, يجعلنا نتصور وكأنما الأميركان يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع! ولما نشأت حركة عدم الانحياز, وقد كانت تؤصل صوريا مبدأ الوقوف على الحياد بين المعسكرين الشرقي والغربي, انضم العرب والمسلمون إلى هذا الكيان الصوري, رغم إنهم كانوا جميعا منحازين لأميركا. بالتالي, لا لوم على روسيا إن هي عارضت عاصفة الحزم, أو دست السم في العسل, وتذرعت بالإنسانية في طلب الهدنة, فهي بهذا تكون منسجمة مع نفسها, وتثبت أنها لا تتخلى عن أصدقائها, بعكس أميركا النذلة.
بينما نحن, لم ننصف روسيا يوما, ولم نترك الباب مواربا معها, بل كنا نستصغرها ونتدخل في شؤونها وعلاقاتها بجيرانها ونرسل الأموال والجهاديين لمحاربتها. ووقت الحاجة, نستغلها كبعبع للتهويش كلما ماطلت أميركا في بيعنا السلاح. فإن كانت روسيا, التي لم تعتد علينا قط, تساند الأنظمة الشمولية, فالذنب ذنبنا, إذ كيف لا تشعر بالغيظ والاستحقار, وهي ترانا نرتمي بأحضان من يتآمر على دولنا وأنظمتنا? نحن من أضعنا روسيا, ونحن من ينبغي عليه تأديب أميركا بالانفتاح والتواصل مع روسيا, ويمكن البدء بهذه السياسة الجديدة, بعدم تلبية دعوة أوباما في كامب ديفيد, وإن كان ولابد, فليكلف القادة سفراءهم في واشنطن لمقابلة أوباما… كنا حازمين في عاصفة الحزم, فلنكن حازمين مع من يتربص بنا شراً.

salehpen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.