“التربية”… نموذج ومثال!
صالح الغنام
حين نطالب الحكومة بتقديم إنجازات ملموسة, فهناك من يظن, أن الإنجاز لا يكون إنجازاً, إلا بتنفيذ مشاريع كبرى, مثل تشييد المباني الضخمة, وشق الطرق, وإنشاء الجسور, وما شابه من إعمال إنشائية. بينما لو اختصرت الحكومة إجراءات الدورة المستندية لكل معاملاتها وخدماتها, وحررت الناس من قيود البيروقراطية, وأعتقتهم من استبداد الروتين, ووفرت عليهم جهد المراجعات العبثية, لكان لهذا الإنجاز البسيط في تكلفته والعظيم في أثره, مفعول السحر في رفع منسوب الرضا لدى المواطنين.
وسأسوق مثالاً, قد لا يعنيكم جميعا, فقبل نحو شهرين, كنت مع صديقي في سيارته نزور بعض الدواوين لتأدية واجب العزاء. وبانتهاء الجولة, استأذنني صديقي لمراجعة منطقة الفروانية التعليمية, لتسلم الكتب الدراسية الخاصة بابنه الذي يدرس بنظام المنازل. وهناك, أعطتنا الموظفة ورقة نراجع بموجبها مخازن وزارة التربية في منطقة صبحان لتسلم الكتب.
أمام مخازن صبحان, طلب منا حارس الأمن الترجل من السيارة, وأشار بيده لأحد المباني القديمة. صعدنا إلى الدور الثاني, ودلفنا إلى مكتب التسعير, فقامت الموظفة بتعبئة النموذج المخصص, ثم طلبت منا اعتماده من مكتب رئيس القسم. اعتمد السيد الرئيس النموذج, ومنه توجهنا إلى قسم الصندوق لسداد الرسوم, فطلبوا منا العودة مجددا إلى مكتب التسعير, فأعطتنا الموظفة نموذجا آخر, وطلبت منا مراجعة مكتب رئيس القسم لاعتماده نهائيا, فسألناه عن مكان تسليم الكتب, فقالت: “يجب عليكم أولا النزول إلى سرداب المبنى, لاستبدال النموذج المكتوب يدوياً بآخر مطبوع آلياً”.
انتظروا, للفيلم تكملة, فبعد أن تسلمنا النموذج, طلب منا موظفو السرداب, الدخول بالسيارة والتوجه إلى مخزن رقم “6″ ولما وصلنا, اكتشفنا أن المخزن مبني فوق مصطبة مرتفعة, ولا يمكن الدخول إليه إلا عبر سلالم معدنية معقوفة, تشبه سلالم حمامات السباحة, ولأنني وصديقي كنا في كامل أناقتنا وكل منا أسمن من الآخر, فقد تعالت ضحكاتنا ونحن ننادي بتناغم وانسجام: “يا معلم… يا الأخو… يا الحبيب… يا الطيب”. فلم يستجب لنداءاتنا أحد, إلا بعدما استخدم صديقي بوق السيارة, بشكل متواصل ومستمر.
هذه التجربة الخاصة, قد لا تصادفونها كثيرا, إلا ان فيها دلالة مخجلة على مستوى التخلف والبيروقراطية. فالمطلوب, لم يكن مواد حساسة, كي يتم وضع إجراءات تتضمن مراجعات لمواقع مختلفة, والقيام بأكثر من 9 خطوات من أجل كتب مدرسية لم تتجاوز رسومها 10 دنانير. فما الذي يضير وزارة التربية لو أنها سمحت ببيع الكتب المدرسية في المكتبات, أو المدارس, أو حتى في مخازن صبحان ولكن من دون تعقيد ولف ودوران؟ إنها البيروقراطية يا سادة!
salehpen@hotmail.com