مقالات

دراسة جدوى!

صالح الغنام

بعض الأصدقاء ممن يعملون في المجال الاقتصادي, ومنهم أكاديميون, أخذوا بخاطرهم علي, عندما كتبت قبل شهر تقريبا, محفزا الشباب على ترك الوظائف الحكومية, ودخول العمل الحر, ثم وفي السياق ذاته, قللت من شأن تقديم دراسة جدوى للمشاريع, ورأيت عدم جدواها. بالطبع من حق الأصدقاء العتب, فبعضهم ينظر الى دراسة الجدوى من منظور أكاديمي بحت, والتقليل من شأنها, يعني التقليل من أهمية المادة العلمية التي يقدمها لطلبته. وبعضهم الآخر انزعج من رأيي, لأنه يرى في دراسة الجدوى باب رزق, فهو ومن خلال مكتبه الاستشاري يتقاضى رسوماً محترمة من المستثمرين, لقاء إعداد دراسات جدوى لمشروعاتهم, تتطابق مع المواصفات التي تطلبها الجهات المعنية.
بالنسبة لي, فأنا مازلت مصرا على رأيي, فدراسة الجدوى متى استثنينا منها أهم ما فيها, وهو تحديد تكلفة المشروع من أصول ومواد ومعدات وما شابه من أمور تشغيلية, فإن الباقي هو مجرد “تحابيش”, وهو أمر ممكن فقط أن أتفهمه كإجراء إداري تنظيمي روتيني, وللتأكيد, فقد رويت لأحدهم قصة سيدة مسكينة, تقدمت بطلب قرض حسن بمبلغ 750 دينارا, كي تسترزق وهي في بيتها من صناعة حلوى القطن “شعر بنات”, فطلبت منها الجهة المعنية, تقديم دراسة جدوى! وتعزيزا لمصداقيتي, ولجت بواسطة هاتفي, إلى موقع إحدى الغرف التجارية الخليجية, ولما قرأ صديقي ما في دراسة جدوى “شعر البنات” من كلام إنشائي وتنظير, قال: “والله حسبتها دراسة جدوى إنشاء مفاعل نووي”!
مشكلتي مع دراسات الجدوى, إنني رجل تقليدي وقَدَري جدا في مسألة التجارة, ومؤمن تماما بأن الأرزاق بيد الله, وموقن إلى حد النخاع, بعدم خسارة أي مشروع تجاري – أياً كان وفي أي موقع – بشرط تجنب سوء الإدارة, وتعلمون أن دراسات الجدوى, تتضمن بنودا تتعلق بالموقع والمنافسة واستهداف الشريحة المستهلكة, وما شابه. لذلك, يمكن لي أن أسألكم, وبدوركم أسألوا أكبر خبير مالي واقتصادي وأكاديمي, إن كان يوافق على اعتماد دراسة جدوى لمشروع مطعم عائلي “VIP”, يقام في منطقة صناعية مثل الشويخ أو شرق, بين كراجات تصليح السيارات ومحال البنشر, ووسط بيئة ملوثة بالأبخرة, وبين عمال غلابة, متسخي الملبس والمظهر, لا تتجاوز رواتبهم 300 دينار؟
أتحدى أن توافق أي جهة على هذا المشروع, بل لا أستبعد التشكيك في سلامة عقل مقدم المشروع. لسبب بسيط جدا, وهو أن لا الموقع, ولا نوعية ومستوى المشروع, ولا الشريحة المستهدفة – أي العمال, جيران المشروع – يتطابق أي منهم مع أصول دراسة الجدوى, ألا تتفقون معي في هذا؟ ومع ذلك, نجد أن أنجح مشاريع الكافيهات والمطاعم الراقية, والتي تشهد رواجا منقطع النظير, هي تلك المقامة بين “البنشرجية” والكراجات, في منطقتي شرق والشويخ. عموما, عندي عشرات الأدلة والأمثلة, ولكنني سأكتفي بهذا القدر, لأن القصد من كل ما جاء, هو تشجيع الشباب وتحفيزهم على مزاولة التجارة, وطلاق الوظيفة الحكومية… والله الموفق سبحانه.
salehpen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.