“الاختلاط… بين الحكارة والتكلفة”!
صالح الغنام
صباح الخير… منذ أثيرت قضية الاختلاط للمرة الأولى, وإلى يومنا هذا, لم أتمكن من تكوين رأي قاطع بشأن هذه القضية الجدلية. فكلا الطرفين المؤيد والمعارض, لم يستند إلى دراسات علمية دقيقة, تظهر سلبيات وإيجابيات الاختلاط وعدم الاختلاط, وأثر ذلك على مخرجات التعليم العالي في البلاد. أبداً, لم يحدث أيا من هذا, فمجمل الحديث الدائر, عبارة عن تراشق وشد وجذب, واتهامات متبادلة ما بين التخلف والتغريب.
فمؤيدو الاختلاط, وهم ممن يقدمون أنفسهم بصورة الليبراليين المنفتحين المتحررين من عُقَد الماضي, ومن العادات والتقاليد البالية, لا حجة لديهم ولا منطق سوى التشبث بذريعة ارتفاع تكلفة الفصل ما بين الجنسين في الجامعة والمعاهد والكليات. بينما الواقع يؤكد, أن حجتهم باطلة, ووجعهم على ارتفاع التكلفة كاذب ومزيف, فالبلد لم ينهب خزائنها, ويسيطر على مقدراتها, ويستحوذ بالقوة والشبهة على مناقصاتها, ويجير قراراتها ويسخر قوانينها, سوى المتدثرين بالثوب الليبرالي. لذلك, فإنه من باب أولى مهاجمة, أو توجيه النصح للأقربين, علهم يرأفون بحال بلدهم, ويكفوا يدهم عن نهب أمواله, ففي ذلك, عصمة للمال العام وحفاظ عليه من التبديد, يفوق بمراحل تكلفة الفصل بين الجنسين.
أما المعترضون على الاختلاط, فهم, وإن لم يوضحوا تحديدا ما إذا كانت مشكلتهم هي اختلاط البنت بالولد, أو اختلاط الولد بالبنت – وهناك فرق بالطبع – إلا أن الواضح والأكيد, أن دافعهم الرئيسي للاعتراض على الاختلاط هو “الحكارة” ولا غير. وهنا لابد من تفهم هذا الأمر بسعة صدر, إذ لا يمكن لمجتمع محافظ نشأ على الستر والعفاف, وتربى على صون المرأة, وأنها تمثل العرض والشرف, أن يغير جلده ويتحرر بسهولة من مفاهيم ورثها وغرسها فيه الأولون أبا عن جد… اصبروا عليهم قليلا, فبموجب ما نرى يوميا في الأسواق والأماكن العامة, يجعلنا نجزم أن التحرر والانفلات والانحلال قادم لا محالة, فلا تستعجلوا الأمر, اصبروا وستظفرون بما هو أكثر من الاختلاط!
انتبهوا, فأنا استعرض الآراء, ولست مع هذا أو ذاك, ولن أحدد رأيي إلا بدراسات علمية من جهات مرموقة. ومع ذلك, يمكن لي التأكيد, أن الفصل بين الجنسين, ليس هو الحل المثالي. فهو وإن كان يريح أهل “الحكارة” شكليا, إلا أنه ضمنيا قد يكون أسوأ مئة مرة من الاختلاط, ففي إحدى الكليات التي تقتصر الدراسة فيها على البنات فقط, كنا نسمع عن ممارسات منحرفة وغير أخلاقية, وقيل, أن بعض الطالبات كن يستأجرن سيارات من غير علم ذويهن, ويوقفنها في مواقف الكلية, وبعد أن يصلن إلى الكلية بسيارة البيت, يخرجن مرة أخرى, ويتسكعن بسياراتهن المستأجرة… إذاً, المشكلة, ليست في الاختلاط, أو عدم الاختلاط, وليست في الكلفة المالية أو “الحكارة”, المشكلة في شيء آخر!
salehpen@hotmail.com