برلمان الطالب!
صالح الغنام
أشعر بالسرور كلما رأيت أبناءنا وبناتنا الصغار, يتحدثون بطلاقة لسان, وبثقة, ومن دون ارتباك, سواء في اللقاءات الحية أمام الجمهور وأولياء الأمور, أو في البرامج التلفزيونية التي تناسب أعمارهم وتهتم بشؤونهم. وأظن أننا جميعا نفرح لرؤية هذا المنظر, كونه يمثل استثناءً في بيئتنا التربوية والمجتمعية, التي يغلب عليها طابع المبالغة في التدليل, والإفراط في حماية الأبناء إلى درجة مسح شخصياتهم وطمسها من دون قصد. فيكبر الأبناء, وتكبر معهم العُقد ومركبات نقص الثقة بالنفس, والخجل, والخوف من المواجهة. كل هذا, لأننا ربينا أطفالنا بالاعتماد علينا في كل صغيرة وكبيرة, وكأننا الوحيدون في هذا العالم, الذين نحب أبناءنا ونخشى عليهم, والآخرون لا يفعلون!
ومع انني أفرح لرؤية أبنائنا وهم يتحلون بالثقة, ويتحدثون أمام العلن بطلاقة, إلا أن هذا ينبغي ألا يتجاوز محيط أعمارهم, ولا يخرج عن دائرة اهتماماتهم الصغيرة, ليقفز لما هو أكبر. وما شاهدناه في ما سمي جلسة “برلمان الطالب” يجسد مثالا صارخا على سرقة العفوية والبراءة من طلبة تراوحت فئاتهم العمرية ما بين الطفولة والمراهقة. صحيح أن المجلس استغل هذا الحدث للتكسب الإعلامي, وصحيح أن هناك من صفق لما تضمنته كلمات بعض الطلبة والطالبات من مساس بالمجلس وضرب تحت الحزام لأعضائه. لكن كل هذا خطأ في خطأ, فلا الاستخفاف ببيت الشعب مقبول, ولا التعريض بممثلي الأمة مقبول, لا نقبل بهذا من أبنائنا الصغار, حتى وإن كنا أشد المناوئين للمجلس وأعضائه!
نفهم, أن تقوم وزارة التربية بتضمين مناهجها مواد لتدريس الدستور والتربية الوطنية, ومن باب التثقيف والعلم بالحقوق والواجبات, لا نزايد أبدا على أهمية هذا التوجه الحميد. لكن أن يتعمد المجلس إقحام الطلبة وهم في هذه السن الصغيرة في الشأن السياسي, فهذا لا يجوز, ومناف لطبيعة الأشياء. فالمجلس بسلوكه غير المدروس, حذا حذو برامج المواهب الفنية التي تقبل لطفلة في العاشرة من عمرها, أن تغني أغنية “الأطلال” لأم كلثوم! هذا المنطق لا يستقيم, لأن فيه سحلا ومتاجرة رخيصة للبراءة, فكل فئة عمرية لها ما يناسبها من اهتمامات ويتوافق مع حدودها الفكرية والإدراكية. وهؤلاء الطلبة, ينبغي أن يكون جل اهتمامهم وتركيزهم على الدرس ولا شيء آخر. ويكفي أننا مبتلون ب¯”تويتر” وما تسبب به من تسييس كامل للمجتمع, فهل كان ينقصنا أن يأتي المجلس ليزيد الطين بلة؟
* صالح الغنام
salehpen@hotmail.com