نيويورك تايمز: إيران لن تتخلى عن طموحاتها الإمبريالية
ولكن هذا التفاؤل يتجاهل حقيقة أن الحكومة الإيرانية الحالية لا تزال تحمل بصمة من تاريخ إمبريالي طويل وطموحات إقليمية فارسية طويلة الأجل، بحسب ما أفاد سونر كاجابتاي وجيمس جيفري ومهدي خلجي، الباحثون في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تحليل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وقال الباحثون إن إيران “قوة ثورية” وتمتلك طموحات الهيمنة. وبعبارة أخرى، إنها بلد يسعى لتأكيد هيمنته في المنطقة، ولن تلعب وفقاً للقواعد. ومع ذلك، تأمل إدارة أوباما أن يكون للاتفاق النووي “تأثير متصاعد” على إيران وإقناعها بالتخلي عن طموحاتها الإمبريالية مقابل الشعور بالحياة الطبيعية.
وأشار الباحثون إلى أن العالم عاش مع القوى المهيمنة في الماضي. وامتلكت روسيا وفرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا تطلعات مماثلة قبل الحرب العالمية الأولى. وكانت تلك القوى هي التي دفعت العالم إلى الحرب في عام 1914 ومرة أخرى في عام 1939. وقد سعت ألمانيا النازية للهيمنة على أوروبا من المحيط الأطلسي إلى نهر الڤولجا، وتحويل البلدان الأخرى إلى دول تابعة وإنشاء جيش كامل وتحقيق السيطرة الاقتصادية والدبلوماسية.
في أعقاب هذا الخراب والفوضى، قام نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة بوضع قواعد للمجتمع الدولي الذي سعى لمراقبة هذه القوى وكبح جماحها. وتعترف البلدان التي تمتلك نزعات هيمنة، مثل الصين، بشرعية هذا النظام الدولي حتى اليوم.
ومع ذلك، يقول الباحثون تَحَدَّت إيران بوقاحة هذا النظام الدولي وتواصل توسيع نطاق سيطرتها. وهي تستخدم مجموعة متنوعة من الإرهاب والانتشار والوكلاء العسكريين ونوعية من الدبلوماسية قديمة الطراز لمواصلة هيمنتها.
وعلى الرغم من أنه كثيراً ما يُستشهَد بأن الثورة الإسلامية بقيادة آية الله روح الله الخميني 1979 هي بداية الرغبة الإمبريالية الإيرانية، فإن طموحات الهيمنة الإيرانية تعود إلى عهد الأسرة الصفوية في القرن السادس عشر. لقد سعى الصفويون إلى النأي بأنفسهم عن الإمبراطورية العثمانية السنية القوية وأعادوا تشكيل إيران بحيث حوّلوها إلى قوة شيعية بارزة (وقد أصبحت إيران دولة شيعية رسمياً في عام 1502). وفي القرون التي تلت ذلك، وسّعت إيران سيطرتها على أفغانستان والعراق وجنوب القوقاز.
حروب منهكة ضد العثمانيين والروس
أوقفت إيران توسعها في القرن الثامن عشر حيث أخذت في التراجع بعد دخولها في حروب منهكة ضد العثمانيين والروس. وخلال الحرب الباردة، استفاد الشاه من الدعم الأمريكي لتعزيز قوة إيران الإمبريالية مرة أخرى. وأمد المجتمعات الشيعية ووكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط بالدعم المالي والعسكري. وفي أوائل السبعينيات من القرن العشرين، على سبيل المثال، قامت إيران بدعم أكراد العراق لإقامة نفوذ لها في العراق في عهد صدام حسين.
وبالمثل، في عام 1975، أصدر السيد موسى الصدر، وهو رجل دين إيراني مدعوم من قِبَل الشاه، فتوى أعلن فيها أن العلويين السوريين، الذين ينتمون إلى فرع بدعي من الإسلام، بأنهم شيعة. وأدت هذه الفتوى إلى تحويل العلويين السوريين إلى ذراع دائم لإيران، مع تداعيات خطيرة تلقي بظلالها على الحرب الأهلية اليوم في سوريا.
في عام 1979، جمع زعماء الثورة الإيرانية المناهضون للولايات المتحدة بين مطالبهم القومية بالأمجاد الفارسية الماضية وعقيدتهم بالرغبة في تأسيس دولة إسلامية بقوة عسكرية موحدة. ومع ذلك، بعد الحرب الدامية بين إيران والعراق التي طال أمدها في الثمانينيات من القرن العشرين، أدركت الجمهورية الإسلامية أن العقيدة العسكرية التقليدية لم تعد تكفي.
وبالتزامن مع عقيدة طهران المتمثلة في “تصدير الثورة” إلى الدول الإسلامية المجاورة، وضع آية الله علي خامنئي والحرس الثوري الإسلامي تكتيكات حرب غير متماثلة تهدف إلى بناء نفوذ إيراني من خلال التحالفات الطائفية والسياسية.
دور الوصي
وبعمل ذلك، قامت إيران في كثير من الأحيان بدور الوصي على الطائفة الشيعية الأوسع في أماكن مثل البحرين واليمن. وأنشأت بعناية شبكة من الميليشيات الشيعية: حزب الله في لبنان الحوثيين في اليمن وفيلق بدر في العراق، وغيرها. علاوة على ذلك، تسيطر إيران على المؤسسة الدينية الشيعية والشبكات المالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولفت الباحثون إلى إن إيران ليست ملتزمة حصرياً بالسياسة الطائفية، وإنما أقامت علاقات صداقة أيضاً مع الجهات السنية المتحاربة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لتعزيز مكانتها الإقليمية. وتحقيقاً لهذه الغاية، أقامت طهران علاقات قوية مع حماس والجهاد الإسلامي في غزة. بل واخترقت إيران الكتلة السنية في السودان، حيث استخدموها لنقل الأسلحة إلى غزة.
في بعض الأحيان، لا تلقي إيران بالاً للمسلمين، أو حتى الشيعة- ففي جنوب القوقاز، تحالفت إيران مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية حيث أنها موالية لأمريكا. في نهاية المطاف، نجد أن الطموح الإمبريالي، وليس الدين، هو المحرك الأساسي للسياسة الخارجية الإيرانية.
يقدم التاريخ أمثلة قليلة لدمج هذه القوى بالنظام الدولي. إن قوى الهيمنة الثورية تجمع بين الشهوة الإمبريالية لتأمين “مجال حيوي” كما رأينا لدى فيلهلمن ألمانيا وبين النظرة الدينية التي ترفض مبادئ النظام الدولي الكلاسيكي.
في فبراير (شباط) 2013، صرح آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني وصانع القرار النهائي في مجالات السياسة الخارجية والعسكرية، بأن المفاوضات مع الغرب خدعة مضللة، مضيفاً بفخر: “أنا لست دبلوماسياً، ولكنني ثوري”. وسيلقي آية الله خامنئي باللوم على السيد روحاني إذا فشلت المفاوضات أو تحركت في اتجاه لا يفضله. وتنبع شرعيته من المشروع الثوري الإيراني، وسيكون أي حل وسط بمثابة اعتراف بأنه لا يؤمن بهذه الرواية من تاريخ العالم.
وأكد الباحثون أن طموحات إيران الإمبريالية ليست جديدة. فتحت مظلة الحكم الصفوي والشاه والملالي على حد سواء، تنافست طهران من أجل الهيمنة الإقليمية، مستبعدين أن تقدّم إيران أي تنازلات عن مبادئها في أي وقت قريب”.