إبراهيم المليفي يكتب: الأغلبية الصامتة: لغسيل ناصع السواد
لست يائسا من الإصلاح، لكني على يقين بأنه لن يأتي في هذه المرحلة، الفرق بين اليأس من الإصلاح وسرد الشواهد على الإهمال وضعف الرقابة على الفساد مسافة قصيرة جدا، فاليأس يتعزز عندما يرى الناس المال العام يُسرق في وضح النهار، ويُسجن من يقول اقبضوا على “الحرامي”.
جوابا عن سؤال الدكتور غانم النجار: فهل سنسمع شيئا عن فتح تحقيق في المسألة، حتى لو على سبيل الهمس؟ وهو عن فضيحة أوراق بنما وما ورد فيها عن دور شخصية كويتية نافذة لها يد في فضائح مالية، أقول “يا بو صقر انسى”.
عن نفسي لست يائسا من الإصلاح، لكني على يقين بأنه لن يأتي في هذه المرحلة، الفرق بين اليأس من الإصلاح وسرد الشواهد على الإهمال وضعف الرقابة على الفساد مسافة قصيرة جدا، اليأس يتعزز عندما يرى الناس المال العام يُسرق في وضح النهار، ويُسجن من يقول اقبضوا على “الحرامي”، وعندما توضع القوانين كي تخترق وتفعل ضد المغضوب عليهم وتركن حسب الظروف.
اليأس لا يستحدث من العدم بل هو قطرات تراكمية تتجمع في رأس الموظف المقهور الذي يشاهد “الحلب” الممنهج والقانوني لميزانيات ضخمة “يفاصل” المعنيين بصرفها على “الفلس والكسور” عندما يختص الأمر بالمصلحة العامة، ثم “يفلونها فل” في مشاريع المصلحة الخاصة، القطرات التراكمية ترى وتسمع وتحس وتشم، الكل يتحدث فيها وفي تفاصيلها، ولكن لا أحد يسجن أو يحاسب بل الثابت المكرر هو الترفيع وحفاوة الاستقبال، وفي أسوأ الأحوال تهريب الجمال والجمل بما حمل.
لم أتوقف عند أخبار وتداعيات أوراق بنما على أمل أن أجد فيها “جبنة كويتية” لأني أعرف ما ستؤول إليه النهاية، ولكن توقفت عند الدور العظيم للصحافة الحرة والجهد الرصين في البحث والتحري الذي يعلي من شأن الضربات الصحافية المدروسة التي تكسب أي مؤسسة صحافية ما لا يُشترى بالمال أو المجاملات، وهي المصداقية وقوة التأثير.
ما شدني في أوراق بنما أيضا هو تشابه النفس البشرية في حب المال رغم كل الفوارق بين عالم أول وعالم ثالث، مع الفارق الكبير بين دول عاجزة عن تنظيف نفسها من الفساد، ودول طورت آليات الحساب والعقاب فيها حتى وصلت لدرجة استقالة كبار المسؤولين لديهم فقط، لأنهم أدلوا ببيانات غير مكتملة أو استعملوا بطاقات الوقود لسياراتهم الخاصة، هذا هو الفارق الذي يكشف عن مواطن الخلل في بلدانهم، فلا تتوقع غير مسار التصحيح وابتكار الأساليب الجديدة التي تحد من عدم تكرار التعدي على المال العام.
في الختام أعود للدكتور غانم النجار لأكرر له ما قلت “يا بو صقر انسى”، وأزيد “ترا هي سهود ومهود”.
جريدة الجريدة