د. حسن عبدالله جوهر يكتب: «عالية» و«غالية»!
مشروع مطار الكويت الجديد، الذي كلف تصميمه الورقي فقط 25 مليون دولار، مصداق لخلل جسيم وعلامة فارقة للتخبط الحكومي في إدارة شؤون الدولة، فحلم المطار الجديد، كبقية أحلامنا وطموحاتنا، تحول إلى كابوس تجاوز عمره أكثر من عشر سنوات، وهي مدة كفيلة لبناء خمسة مطارات وفق أحدث التصاميم المعمارية العالمية الجميلة.
عندما يتم الحديث عن الفساد بمختلف أشكاله يكون الرد الفوري والسريع من كبار المسؤولين المطالبة بالدليل والبرهان والأمثلة على ذلك، الأمر الذي يعتبر بمثابة إلقاء الكرة في ملعبنا، وهذا التحدي بالتأكيد منطقي من حيث المبدأ من باب البينة على من ادعى، والتحدي الأكبر هو إمكانية المواطن العادي الحصول على البيانات والوثائق الرسمية من مصادرها الأصلية، ولذلك يكون اللجوء إلى التقارير التي تصدر بين فترة وأخرى من بعض الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة أو لجان التحقيق أو المصادر القضائية.
المنطق أحياناً يكفي للاستشهاد بأمثلة واقعية وأيضاً مبنية على حقائق رقمية عن الممارسات التي تلفها علامات الاستفهام والتعجب في مشاريع الدولة، وهو من أبلغ الحجج على الحالة غير الطبيعية في بلدنا الكويت، وسوف نطرح أحد هذه الأمثلة في هذا الشأن.
مشروع مطار الكويت الجديد، الذي كلف تصميمه الورقي فقط 25 مليون دولار، مصداق لخلل جسيم وعلامة فارقة للتخبط الحكومي في إدارة شؤون الدولة، فحلم المطار الجديد كبقية أحلامنا وطموحاتنا تحول إلى كابوس تجاوز عمره أكثر من عشر سنوات، وهي مدة كفيلة لبناء خمسة مطارات وفق أحدث التصاميم المعمارية العالمية الجميلة. كلفة هذا المطار بلغت 1.8 مليار دينار (أي ما يعادل 6 مليارات دولار) وهي قيمة تفوق وبشكل كبير ما تم الاتفاق عليه لمطار دبي الخيالي ومطار الدوحة الفاخر ومطار سنغافورة الأعجوبة، وهذا المبلغ سوف يدفع عدّاً ونقداً من الميزانية العامة للدولة!
مقارنة بسيطة أخرى تكشف حجم المأساة عندنا في الكويت مع مطار الملكة “عالية” في العاصمة الأردنية عمّان، الذي يعتبر أحدث مطار عربي تم افتتاحه، وهذا المطار تم بناؤه في أقل من خمس سنوات وبقيمة إجمالية بلغت 950 مليون دولار (أي ما يعادل 290 مليون دينار كويتي)، وهي أقل من سدس قيمة مطارنا “الموعود”، ولا تنتهي القصة عند هذا الحد، فمطار عالية لم تدفع الحكومة الأردنية فيه ديناراً واحداً، بل تم جمع مبلغه بإشراف ومساهمة وتنفيذ من البنك الدولي وثلاث شركات خاصة فقط، وأيضاً لا تنتهي القصة عند هذا الحد، فالحكومة الأردنية تجني سنوياً 350 مليون دولار رسوماً من الشركة التي تدير المطار، بعدما كانت الحكومة نفسها تنفق 75 مليون دولار في السنة الواحدة على مصاريف إدارة وتشغيل هذا المرفق، وبالنتيجة فإن الحكومة الأردنية تجني سنوياً 425 مليون دولار فقط من مشروع مطارها الجديد، وهذا المبلغ يوازي قيمة الدعم الحكومي عندنا على الوقود والكهرباء!
حتى تكون المقارنة أبلغ، فإن حجم مطار “عالية” أكبر من المشروع الكويتي المرتقب، إذ يبلغ عدد بوابات المطار الأردني 65 بوابة، وهو عدد البوابات نفسه في مطار الكويت الجديد “الحلم”، لكن مطار عالية جهّز 40 بوابة إضافية بكامل خدماتها لأي توسعة مستقبلية دون تكاليف مالية إضافية!
لقد وصلت طموحاتنا إلى الحد الذي لا نقارن أنفسنا مع سنغافورة أو دبي، بل مع دولة صغيرة عربية لا تملك ذرة من مقوماتنا الاقتصادية، ولكن من الواضح تفوقها العقلي والإنساني، فلا عجب أن تكون مشاريعهم “عالية” ومشاريعنا فقط “غالية”!
جريدة الجريدة