د. حسن عبدالله جوهر يكتب: التقارب السعودي المصري!
التقارب السعودي المصري المرتقب في أعقاب زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى القاهرة قد يسحب معه خيوطا دبلوماسية عربية وإقليمية جديدة، وقوام هذه الدبلوماسية أدوات السياسة الناعمة التي يفرضها الثقل المصري في هذه المعادلة الجديدة، بالإضافة إلى معطيات الواقع السياسي وتداعيات أحداث الربيع العربي منذ عام 2010 والتي لم تغير أي شيء يذكر في التوازنات الإقليمية وتحديداً في المنطقة العربية، باستثناء الاستنزاف الهائل لموارد العديد من دولها المحورية والخسائر الفادحة التي لحقت بشعوبها.
لعل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة تصب في مباركة هذا التوجه الجديد الذي يحتمل أن يكون أساساً استجابة غير مباشرة للرسائل التي عبر عنها الرئيس الأميركي، والتي وردت على شكل عقيدة أوباما، ومن أهم ملامح أوباما النقد الصريح للسياسة الخليجية الخارجية، خصوصا اللجوء إلى القوة العسكرية والتصعيد السياسي، واستبدال ذلك بالحوار والحلول السياسية بما فيها أكثر الملفات سخونة كالملف الإيراني والملفين السوري واليمني.
لذلك فإن التقارب السعودي المصري الذي دشّن بمجموعة ضخمة من المشاريع العملاقة، بما فيها إنشاء جسر الخير بين البلدين، من شأنه تعزيز القوة الاقتصادية ليس للسعودية ومصر فقط إنما للمنطقة العربية برمتها، وقد يمهّد لأسس التكامل الإقليمي ومواجهة تحديات المستقبل، وهي قائمة لا تنتهي بدءاً بالبنى التحتية والفقر والأمية والتوظيف وانتهاءً بثقافة التسامح ومواجهة التطرف والكرامة الإنسانية والاستقرار السياسي، وهذا يتطلب مخزوناً هائلاً من الاستثمارات المالية والبشرية والذي لا يمكن أن يتحقق مع الأوضاع المالية الصعبة، يضاف إليها أولويات الحروب المكلفة والمدمرة والممزوجة بالتوتر وعدم الاستقرار، وتأجيج كل أنواع الصراع السياسي والفكري والأيديولوجي.
تجربة الحروب الطاحنة في منطقة الخليج، وبعد ذلك في العديد من الدول العربية المحيطة بها، بدءا بالحرب العراقية الإيرانية مروراً بالغزو العراقي للكويت وسقوط نظام البعث، وانتهاءً بالحرب في سورية واليمن وليبيا، استنزفت الخزينة العامة للعرب بمئات المليارات من الدولارات، لكن تمت تسويتها في نهاية المطاف بالطرق السياسية ومن خلال إملاءات دولية، وهذا سوف يكون مصير الملف السوري واليمني والليبي وغيرها.
الثقل المصري في الاستراتيجية الجديدة سوف يدير بوصلة الدبلوماسية نحو أدوات السياسة الناعمة، حيث إن مواقف مصر واضحة من سورية واليمن وحتى طبيعة المواجهة مع إيران، ومن المرجح أن تتبدل السياسات الخليجية في الاتجاه المصري.
إن تجارب التاريخ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية علمتنا بشكل جلي أن الحروب أخفقت في كسب الصراعات حتى التي أدارتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فجميعها انتهت بالتفاوض والحوار والبدائل السياسية، في حين هزمت الولايات المتحدة غريمتها الشيوعية دون إطلاق رصاصة واحدة رغم امتلاك الطرفين ترسانة نووية جبارة ومرعبة، لكن السياسة الناعمة المتمثلة بالقوة الاقتصادية والتكنولوجيا المتقدمة والاستقرار السياسي والحريات العامة هي التي أنهت المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي، فلنعتبر من التاريخ ليس البعيد إنما القريب جداً!!