دلع المفتي تكتب: الكبير
منذ سنين، عندما تجرَّأت وحملت القلم، وكتبت أول رواية لي من دون سابق إنذار أو «معرفة»، مرر أحد الأصدقاء كتابي، من دون علمي، لأديب كبير وكاتب مخضرم. بعد أيام وصلت إليّ ورقة صغيرة كُتب عليها سطر واحد.. «بوادر كاتبة جميلة. استمري، وستصلين».
كانت هذه الكلمات من رجل لا أعرفه ولا يعرفني ولم ألتقه حينها، بمنزلة يد سندت ظهري ودفعتني لأجتهد وأثابر. تلك اليد التي ما زالت تسندني وتسند الكثير من الكتّاب والروائيين والشعراء غيري، صغيرهم وكبيرهم.. هي يد الكبير جدّاً إسماعيل فهد إسماعيل.
لا أريد أن أكتب عن ابداع إسماعيل فهد إسماعيل، ولا عن تنوع رصيده الأدبي الذي تجاوز 42 كتابا بين الأعمال المسرحية والنصوص الدرامية والمجاميع القصصية والدراسات النقدية، ولا عن الجوائز التي حصل عليها، والتي كان آخرها جائزة العويس. ما أريد أن أكتب عنه هو إسماعيل فهد إسماعيل الإنسان.
ولد إسماعيل فهد إسماعيل لعائلة الفهد، وهي عائلة بحرية كويتية عريقة، عام 1940. ومع أنه عاش طفولته وجزءا من صباه في العراق، فإن كان يشعر بالغربة، لكونه يحمل الجنسية الكويتية، لكن شعور الغربة لم يفارقه حتى عندما عاد إلى وطنه الأم، اذ عامله الكويتيون على انه عراقي بسبب لهجته ومظهره المختلف. وهكذا ظل الرجل يحاول أن يتأقلم مع محيطه الجديد لسنين، كتب فيها عن مصر، لبنان، فلسطين والقومية العربية، لكنه لم يقترب من الشأن الكويتي إلى أن عاشه وفهمه.
عندما بدأ إسماعيل فهد إسماعيل الكتابة عن الكويت استمد شخصيات رواياته من الطبقات الاجتماعية المهمشة، الضعفاء، الغرباء في أرضهم. فكتب عن «البدون»، وكانت شخصية المنسي ابن أبيه، الرجل «البدون» الذي سرد قصته بكل أوجاعها في «منفاه ـــ الوطن»، أيقونة لازمت الكاتب؛ إذ ظلت الشخصية تتكلم عن المنسي والمسكوت عنه في المجتمع الكويتي.
إسماعيل فهد إسماعيل رجل دمث، هادئ ومتواضع، لا يتقن فن تسويق نفسه والتطبيل لأعماله. يكتب ما يكتب ثم يدير ظهره ويتجه للعمل على كتاب آخر، من دون أن ينتظر تصفيقا أو جوائز. في حفل تكريمه الذي أقامه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، جلس يستمع إلى كلمات الحب التي فاضت بها القاعة من كتاب وروائيين وأصدقاء، لمحت دمعة تترقرق في عينيه، بينما دموعي كانت قد بللت وجهي، ليس حبا في هذا الرجل وفخرا به فحسب؛ بل أسفا على من تخلف عن حضور تكريم رجل لم يتغيّب يوماً عن الجميع!
هذا الرجل النبيل الذي يكلف نفسه أكثر من وسعها ليساعد الجميع بمحبة يتقنها من دون افتعال، فلا يبخل في تقديم معلومة ولا يتردد في إبداء رأي. يقرأ لهذا وذاك، يشجع المواهب الشابة، ويفسح لهم الوقت لمناقشة أعمالهم. يحضر كل أمسية تخص أحداً منا، يجلس في الصفوف الخلفية يبتسم بحب، ويصفق لأصغر المبادرات. يشجعنا، ينتقدنا، ويحتضنا، قولا وفعلا. هذا الرجل هو ليس أبا الرواية الكويتية فحسب، بل أبونا كلنا.
جريدة القبس
دلع المفتي
d.moufti@gmail.com
@dalaaalmoufti