كم يجني “داعش” من تجارته في الآثار؟
يجني تنظيم “داعش” أرباحاً طائلةً من بيع الآثار في سوريا والعراق، لا نقاش في ذلك. تشكّل تلك الأرض الغنية بعشرات آلاف القطع الأثريّة، والّتي تلتهب في أتون الحروب، فرصةً مثاليّةً لتلك التّنظيمات لتحسين أوضاعها الماليّة.
إذاً، يتّفق الجميع على أنّ “داعش” أصبح يملك ثروةً طائلةً جرّاء بيعه للآثار، لكن لا أحدَ يملك الإجابة الصّحيحة على السّؤال الّذي يحتمل التّخمينات: كم يجني “داعش” من بيع الآثار؟ تُشير صحيفة “واشنطن بوست”، إلى أنّ تقديرات ثروة “داعش” جرّاء بيع الآثار تتراوح ما بين أربعة ملايين وسبعة مليارات دولار أميركيّ.
توضح الصّحيفة أنّ فريق “جامعة شيكاغو” للبحوث (نمذجة تجارة الآثار في الدّولة الإسلاميّة) عمل على تحديد إطار تجارة الآثار لـ”داعش”، فضلاً عن تقدير الثّروة الماليّة للتّنظيم، وغيره من التنظيمات الإرهابيّة.
خلق الفريق مجموعة جديدة من البيانات مستمدّة من منشورات الحفر السّابقة و تقارير مبيعات المزاد. وباستخدام هذه البيانات، قام ببناء أداة تقدير الإيرادات التي أعطته فكرة أفضل عن قيمتها.
توضح “واشنطن بوست” أنّ الآثار تتعرّض للنّهب والإتجار بها في جميع أنحاء العالم وفق آليّاتٍ تختلف بحسب السّياق الثّقافي والسّياسي.
تشرح كيف أنّ “خطّة آثار داعش” تسير وفق ثلاث مسارات: أوّلا، يتمّ تأمين تصريح من قبل سلطات التّنظيم، ثانياً، يتمّ تقييم الأعمال الفنية (ربّما من قبل المسؤولين في شعبة الآثار من وزارة الموارد الطّبيعيّة التّابعة لداعش) على أن يتمّ بعدها نقل القطع الأثرية من قبل “داعش” إلى السّوق الدولية (تركيا على سبيل المثال). خلال هاتين المرحلتين يفرض “داعش” ضريبةً على الآثار القابلة للبيع، قد تصل إلى 20 في المئة.
الجدير بالذّكر أنّ دراسة هذه العمليّة تعطي معلوماتٍ هامّةً يمكن لواضعي السياسات الّذين يحاولون قطع مصادر تمويل الإرهاب اعتمادها والرّجوع إليها.
المشكلة هنا تكمن في عدم توفّر معلومات كافية حول تجارة الآثار، الأمر الّذي يُعدّ طبيعيّاً خلال دراسة السّوق السّوداء. فالمشاركون في التجارة غير المشروعة وابتعادهم عن الأضواء وكذلك إخفاؤهم لأي بياناتٍ مرتبطة بهم وبأعمالهم، بما في ذلك المقابلات وسجلاّت الشرطة و المضبوطات الجمركية، يجعل من الصّعب، بل من الخطير أيضاً، العمل على هذا النّوع من المعلومات.
في دراسة تجارة آثار “داعش” يتضاعف الخطر وتكثر التّحدّيات. تُلخّص “واشنطن بوست” تلك التّحدّيات في ثلاثة: غياب البيانات الموثوقة حول تجارة الآثار القانونية وغير القانونيّة في المنطقة، غياب المعرفة المسبقة عمّا كانت تحويه الأرض من آثار قبل الشّروع في عمليّات الحفر، غياب المنهجيّات التّقديريّة لإيرادات البضائع.
على الرّغم من تلك التّحدّيات، استطاع الفريق الحصول على أفضل معالجة ممكنة لمعرفة حجم الأموال الّتي يملكها “داعش”.
ما توصّل إليه الفريق هو أنّ “داعش” استطاع اكتساب عدّة ملايين من الدوّلارات منذ انطلاق برنامج النّهب الخاصّ به. هذا الرّقم بعيدٌ كلّ البعد عن مبلغ السّبعة مليارات دولار الّذي يتحدّث عنه البعض، إلا أنّه لا يزال كافياً لتنفيذ هجمات في المنطقة.
على سبيل المثال، لا تتكلّف هجمات باريس، الّتي وقعت في تشرين الثّاني من العام الماضي وأسفرت عن مقتل 130 شخصاً، أكثر من عشرة آلاف دولار.
هنا أسئلةٌ كثيرةٌ يتمّ طرحها: لماذا تراجع الحديث عن سبعة مليارات دولار يملكها التّنظيم، ليتمّ الحديث عن أربعة ملايين يجنيها “داعش” في تجارته للآثار؟
تضع “واشنطن بوست” هذا الأمر في سياق “روايات المغامرة وأفلام هوليوود”. تشرح كيف أنّ المخيّلة الجماعيّة المفرطة تستطيع بسهولة جعل الأسعار الخياليّة للمزادات العلنيّة للعمال الفنية أو التحف النّادرة تبدو معقولة، الأمر الّذي ترى الصّحيفة أنّه ليس وسيلةً لفهم الإرهاب.