دلع المفتي تكتب: في الدفاع عن عود خشب
«إن اعتبرنا المسواك هو فرشاة الأسنان قبل اختراعها، وإن قسنا الموضوع على وقتنا الحالي، فهل من المقبول أن تمشي طوال النهار وفرشاتك في فمك؟».
سؤال طرحته على تويتر، مستهجنة منظر من يضع المسواك في فمه ويمشي به طوال النهار وهو ينظف أسنانه ويبصق بقايا الخشبة أمام خلق الله، جر على مئات التغريدات الشاتمة، الساخرة، المستهزئة، المستهجنة وحتى المكفرة، إذ كتبت لي إحداهن: في الحديث النبوي الشريف: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» معتبرة كلامي تعد على الله وعلى هدي نبيه.. مؤسف ما وصلتِ له يا دلع!
مؤسف جداً ما وصلت إليه، مؤسف أن أضطر أن أدافع عن نفسي أمام قطعة خشب أراد نبي الله بها شيئاً، فتبناها البعض كشيء مقدس لا يصح حتى مناقشته.
السواك هو قطعة خشبية من جذور شجرة الأراك (شجرة دائمة الخضرة توجد في منطقة الجزيرة العربية)، تستعمل الفروع الخضرية منها وجذورها للمسواك، حيث توجد أسفل القشرة الخارجية طبقة الألياف الناعمة التي تتباعد على شكل فرشاة عند دق نهاية تلك العيدان بعد نقعها بالماء. وقد استخدم السواك منذ فجر التاريخ عند البابليين، الإغريق، الرومان، قدماء المصريين، الأفارقة، والهنود.
عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية كان السواك عادة متبعة، فجعله رسولنا سنة مستحبة عندما قال: «لولا أن أشق عن أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»، «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب». وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك. فالسواك مندوب عند الوضوء وعند الصلاة على الراجح من أقوال علماء المسلمين، (ركزوا بالزمان والمكان).
إذاً نستنتج مما سبق التالي: في ظل عدم وجود فرشاة وأطباء أسنان في عصر الرسول، كان الغرض من السواك هو الحفاظ على نظافة الفم والأسنان والتخلص من بقايا الطعام وتطهير رائحة الفم، أي الموضوع ليس موضوع عود الخشب، بل هو الهدف منه. ولكن وعلى فرض أن البعض يفضّل الحفاظ على سنة النبي حرفياً واستخدام السواك، فوفق المصادر، الرسول أمر بالسواك عند الوضوء والصلاة وعند دخول البيت، لا أن تضع المسواك في فمك تنظف به أسنانك أمام البشر طوال اليوم في منظر مقزز غير حضاري.
المسألة مسألة تهذيب وذوق، فكما أنه مع فارق التشبيه ليس من المقبول أن تضع أصبعك في أنفك أو أذنك لتنظفهما أمام الناس، أيضاً ليس من المقبول أن تنظف أسنانك على الملأ. كل أمر له وقته وله مكانه، ولكننا كالعادة نأخذ الأمور بسطحية، متغافلين عن أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم غرضها النظافة وليس خشب المسواك، فقبل 1400 سنة كما كان البعير سيارة اليوم، كان المسواك هو فرشاة الأسنان، فالفرشاة تفي بالغرض وفي الحمام وليس أمام الناس.
الخلاصة: سنة النبي المقصود منها النظافة بالعود أو بغيره لا العود بالنظافة أو بدونها.
جريدة القبس
دلع المفتي
d.moufti@gmail.com
@dalaaalmoufti