متى يصبح الموبايل بديلاً كاملاً عن المتاجر؟
في مطار غاتويك جنوب لندن، تنتشر شاشات تبدو كأنها لوحات إعلانية، لكنها في واقع الأمر ليست إلا الشكل الجديد للسوبر ماركت.
بدلاً من صالات العرض الكبيرة وعشرات الموظفين، يكفي شركة “تسكو” أن تضع هذه الشاشات في المطارات والأماكن العامة، لتحل الرفوف الافتراضية مكان المتجر الحقيقي. يتنقل بينها الزبون ولا يحتاج سوى لتمرير هاتفه المحمول على الـBarcode مستفيداً من تقنيةNFC ليملأ سلّة مشترياته الافتراضية، لتسبقه الأغراض إلى بيته.
في كوريا الجنوبية، أطلقت “تسكو” علامة تجارية جديدة تحت اسم “هوم بلس”، ونشرت رفوفها الافتراضية في محطات المترو والباصات العامة. وكانت تلك وسيلتها لتلبية احتياجات شعب يعمل لساعات طويلة، ولا يجد متعة كبيرة في التسوق.
باتت التجارة الإلكترونية اليوم تشمل كل شيءٍ، من العطورات والأزياء والأحذية، إلى الشامبو وحليب الأطفال.
بوكيمون غو
مؤخراً، افتتحت شركة صينية ألف متجر افتراضي في ليلة واحدة، لكل منها موقع محدد على طريقة “بوكيمون غو”، وكثير منها في مواقع رئيسية في وسط المدن، أو في القرب من متاجر كبرى مثل “كارفور” و”مترو” و”وول مارت”. هذه المحاولة للمزج بين الواقع والواقع الافتراضي ما زالت قيد الاختبار، لكن، نظرياً على الأقل، تحقق وفراً هائلاً من البنى التحتية واليد العاملة.
لكن بيع حليب الأطفال يختلف عن تسويق فستان السهرة، فالسيدات لا يكفيهن في الغالب تفحص السلعة من خلف شاشة الموبايل.
الألماني روبرت جنتز وجد حلاً لهذه المشكلة. شركته ZALANDO تجني إيرادات بثلاثة مليارات يورو سنوياً، من دون أن تتحمل الكثير من التكاليف. كل ما تفعله أنها توفر شبكة تشكل صلة وصلٍ بين المتاجر والمصممين من جهة والزبائن من جهة أخرى، وهكذا عندما تحتاج السيدة إلى فستان قبل ساعتين من موعد السهرة، بإمكانك شراؤه، والتحدث مباشرة مع موظف التسويق ليعطيها عنوان أقرب متجر لتسلّمه، وبالإمكان توصيله إلى المنزل بمقابل معقول.
المشكلة في هذه الفرص التي يتيحها التطور التقني أنها تضع شركات التجزئة أمام خيارات صعبة. فمن جهة، تتيح التجارة الإلكترونية مع العملاء (B2C) فرصاً كبيرة للوصول إلى شرائح أكبر وتوفير مصاريف ثابتة وأيدٍ عاملة، لكنها في المقابل تُفقدها مزايا التواصل المباشر. فالتسويق لعبة فيها كثير من الإبهار، والمتجر نفسه، بديكوره وإضاءته وألوانه، أساس هذه اللعبة. وحين تصبح متاجر العلامات الفاخرة موجودة في الواقع الافتراضي، تكاد تتساوى عملياً مع كل من يبيع سلعاً مشابهة.
90 % من الوقت بالهاتف المحمول
لكن الواقع الجديد يفرض نفسه. فالإحصاءات تشير إلى أن معظم الناس يبقون على صلة بهواتفهم المحمولة في 90 % من وقتهم. هذا يعني أنهم موجودون، افتراضياً، في السوق كل الوقت تقريباً، سواء كانوا في العمل أم يقضون عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة.
وحتى أولئك الذين لا يحبون تلقي الاتصالات من موظفي التسويق، هناك طريقة أخرى للوصول إليك.الـOmni channel هو مفهوم جديد نسبياً للطريقة التي تلاحقك بها العلامات التجارية عبر كل القنوات الممكنة، من التواصل الحسي إلى الموقع الإلكتروني، والصفحات الخاصة بالعلامة على “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” و”يوتيوب” وغيرها. إنها أشبه بأخ أكبر يراقبك، فإذا ما أعجبك حذاءٌ ما فإن صفحة الفيسبوك تحيلك إلى موقع الشركة مباشرة لتشتريه وتدفع ثمنه في لحظات، أو الذهاب إلى المتجر وتجربته.
لكن لهذا النمط من التواصل سلبياته، فإذا كان بإمكانك شراء حقيبة اليد لزوجتك إلكترونياً، فهذا يعني أن بإمكانك المقارنة مع المنتجات الأخرى أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذه لعبة ليس من عادة التاجر أن يحبذها، لأنها تصب في مصلحة العميل.
مع ذلك، باتت العلامات الكبرى تتبنى هذا النمط من التواصل، انطلاقاً من أنها لا تبيع مجرد سلعة، بل تبيع تاريخاً وقصة، ولذلك فإن ولاء العميل يبقى القصة كلها.
أينما كنت يلاحقك الشراء
أخ أكبر آخر يلاحقك هو الـ إدارة علاقات العملاء .(CRM) إنه نظام معلوماتي يحصي معلومات دقيقة عنك، تاريخك في عمليات الشراء، وعيد زواجك، وكم مرة تأكل السوشي في الشهر. وهكذا لا تفاجأ عندما تتلقى رسالة نصية تدعوك إلى تناول العشاء بخصم مغرٍ في مطعمك المفضل.
ولأن أرقام التجارة الإلكترونية قفزت من المليارات إلى التريليونات، فإن كثيرين يريدون حصة مستقبلية من نمو السوق. اخترعت لك غوغل وآبل محفظتين افتراضيتين ليكون الدفع أقل ما يشغل بالك، ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام”، دخلت هي الأخرى دخلت على الخط، وبات تطبيقاتها تسمح بإتمام عملية الشراء بالكامل من خلالها.
الطفرة ما زالت في بدايتها، وكما يلخصها مؤسس “علي بابا” جاك مو، إنها نمط حياة جديد، إنها الانتقال من شراء ما تحتاجه عبر الإنترنت، إلى شراء ما لا تريده وما لا تحتاج إليه.