أحياء حلب الشرقية.. سنوات القتل والدمار والحصار
أيام قليلة تفصل القوات السورية الحكومية المدعومة من ميليشيات إيران الطائفية عن السيطرة على ما تبقى من مناطق في القطاع الشرقي من مدينة حلب، التي كانت في الأعوام الأربعة الماضية أحد أبرز عناوين المأساة السورية المستمرة منذ 2011.
والهجوم الأخير الذي بدأ منتصف الشهر الماضي، أدى إلى فقدان فصائل المعارضة المسلحة نحو 90 بالمئة من شرق حلب لصالح القوات الحكومية والحرس الثوري الإيراني وميليشيات عراقية ولبنانية وأفغانية طائفية مرتبطة عضويا وفكريا النظام الإيراني.
ولم تقتصر نتائج الهجوم البري الذي ترافق مع ضربات جوية مكثفة وقصف مدفعي عنيف على تقهقر المعارضة، بل طالت المدنيين الذين كان عددهم يقدر بأكثر من 250 ألف في الأحياء الشرقية، فقد قتل المئات منهم وتقطعت السبل بعشرات الآلاف.
ومعاناة حلب التي تجسد إحدى أوجه المأساة السورية لم تبدأ مع الهجوم الأخير، فقد شهدت المدينة التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد منذ أبريل 2011 تاريخ انخراط بعض أبناءها في الانتفاضة ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد، استهدافا مستمرا من القوات الحكومية.
والمدينة التي تمتاز بأهمية اقتصادية وتاريخية وثقافية كبيرة، لم تنخرط بداية في النزاع الذي تحول إلى مسلح بسبب القمع الدامي للمظاهرات التي انطلقت في مارس 2011 ضد بشار الأسد، الذي استلم السلطة خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد عام 2000.
إلا أنه بعد إطلاق النار لأول مرة على المتظاهرين في حلب في يوليو 2012، بدأت مجموعات مسلحة من أبناء المدينة في القتال ضد القوات الحكومية، لتشن هجوما كبيرا في العاشر من الشهر نفسه يسفر عن فرض سيطرتها على الأحياء الشرقية.
ومنذ يوليو 2012، انقسمت المدينة بين أحياء شرقية تنتشر فيها المعارضة وأحياء غربية تحت سيطرة القوات الحكومية، لتبدأ على أثرها معاناة القطاع الشرقي من جراء القصف المدفعي والغارات شبه اليومية التي كان عنوانها الأبرز “براميل الموت المتفجرة”.
والمعارك اليومية بين طرفي النزاع والقصف المدفعي والغارات الجوية دمرت المدينة القديمة وأسواقها المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي وتجمعات سكنية تعود إلى سبعة آلاف عام، وألحقت بسوق المدينة التاريخي أضرارا فادحة.
وعام 2013، شهد نجاح مقاتلي المعارضة في قطع الطريق السريع من حلب إلى الجنوب مما أجبر القوات الحكومية على استخدام طريق بديل أطول للوصول إليها من العاصمة، كما شهد بداية استخدام “البراميل المتفجرة” من قبل الطائرات والمروحيات الحكومية.
وفي هذا الإطار، أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في نهاية يوليو 2014، أن عدد المناطق المستهدفة بالبراميل المتفجرة تضاعف خمس مرات، وأسفر عن مقتل نحو 1700 شخص وإصابة العشرات بجروح في الأحياء الشرقية من حلب.
ورغم تكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي، فشلت القوات الحكومية في تحقيق أي تغيير على الأرض، مما دفعها إلى بدء الاستعانة بجهود ميليشيات إيران الطائفية التي عجزت أيضا عن اختراق خطوط المعارضة في القطاع الشرقي.
ومع بداية 2015، حقق مقاتلو المعارضة سلسلة مكاسب وضعت الحكومة تحت ضغط في شمال غرب سوريا حيث تقع حلب، لكن في أكتوبر من العام نفسه شنت روسيا، حليفة الأسد، أول ضربة جوية في سوريا مما أضعف موقف المعارضين.
وتدخل روسيا العسكري لأول مرة بعد أن كان دعمها يقتصر على الناحية السياسية وتزويد دمشق بالسلاح، رجح كفة القوات الحكومية التي بدأت مطلع 2016 بتحقيق تقدم على جبهة حلب مدعومة بالميليشيات الإيرانية الطائفية.
وأدى تقدم قوات الجيش السوري والميليشيات، بدعم جوي روسي، إلى قطع الطريق المباشر من تركيا إلى شرق حلب الذي يسيطر عليه المعارضون، واستعادة قاعدة منغ الجوية وإنهاء حصار مقاتلي المعارضة لنبل والزهراء بريف حلب والضغط على طرق إمدادهم.
وفي يوم 27 يوليو الماضي، طوقت القوات الحكومية بالكامل شرق حلب لأول مرة، لكن الحصار كسر بعد عشرة أيام بهجوم مضاد شنه مقاتلو المعارضة على حي الراموسة الذي فتح لفترة وجيزة طريقا محفوفا بالمخاطر إلى داخل شرق حلب من الجنوب.
وساعدت القوة الجوية الروسية والميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان القوات الحكومية على استعادة الراموسة في الثامن من سبتمبر، ليحكم حصار شرق حلب وتتفاقم جراء ذلك معاناة 250 ألف مدني.
وفي يوم 22 سبتمبر، شنت أعنف ضربات جوية منذ شهور على شرق حلب وأعلنت الحكومة عن هجوم جديد لاستعادة المدينة، وبعد قصف مكثف استمر أسابيع دمر المستشفيات والبنية الأساسية المدنية أعلنت روسيا والحكومة السورية وقف حملتهما يوم 18 أكتوبر.
وبدأ آخر هجوم للمعارضة لكسر الحصار يوم 28 أكتوبر من ريف حلب إلى غرب المدينة، لكن بعد أن أحرزت الفصائل بعض التقدم في أول يومين، فقدت الحملة زخمها وتبددت المكاسب خلال أسبوع واحد.
واستؤنفت الضربات الجوية المكثفة على شرق حلب يوم 15 نوفمبر الماضي، لتوقف عمل جميع المستشفيات بحلول 19 من الشهر نفسه، الأمر الذي زاد من معاناة المدنيين المحاصرين.
وفي يوم 28 نوفمبر، انتزعت قوات موالية للحكومة السيطرة على القطاع الشمالي من الجزء الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة، لتتقلص مساحته بأكثر من الثلث في هجوم خاطف.
ووقع هجوم خاطف آخر يومي الخامس والسادس من ديسمبر الجاري، سيطرت من خلاله الحكومة على حي الشعار وأغلب مناطق المدينة القديمة، وبات مقاتلو المعارضة محاصرين في قطاع صغير في جنوب جيبهم السابق.
ويوم 12 ديسمبر، تقدمت القوات الحكومية والميليشيات الطائفية بعد أن سيطرت على حي الشيخ سعيد، إثر قتال مكثف استمر عدة أيام وتحت قصف جوي مكثف، مما لم يترك لمقاتلي المعارضة سوى جزء صغير من المدينة.
وأسفرت غارات القوات الحكومية والقصف المدفعي المستمر على حلب الشرقية، منذ منتصف نوفمبر الماضي، عن مقتل “430 مواطنا بينهم 47 طفلا و25 مواطنة على الأقل”، حسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان.