كيف انقلبت تركيا على شعار “رحيل الأسد”؟
منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في السورية قبل 6 سنوات، ومع تحولها لمعارضة مسلحة، رفعت تركيا التي احتضنت فصائل مناهضة للرئيس بشار الأسد، شعار “رحيل الأسد” كحل لا بديل عنه للأزمة السورية، لكن أنقرة انقلبت مؤخرا على الشعار الذي اعتبر يوما خطا أحمر في تعاطيها مع الأزمة.
فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، خرج نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك على الحضور بالقول، الجمعة، إن الحقائق على الأرض في سوريا قد تغيرت كثيرا وبالتالي “لم يعد واقعيا أن تصر أنقرة على تسوية الصراع في سوريا بدون مشاركة بشار الأسد”.
ونسفت تصريحات شمشيك خطا أحمر تمسك به على مر سنين الأزمة المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي طالما كرر أنه من دون رحيل الأسد لا يمكن حل الأزمة السورية، لكن كيف حدث هذا التحول في الموقف التركي؟
ربما الإعلان صراحة عن ذلك الموقف الجديد صدم البعض، خاصة المعارضة السورية التي وضعت كافة البيض في السلة التركية، لكن المتتبع للسياسة التركية في المنطقة خلال الآونة الأخيرة، لن يتفاجأ بهذا التحول.
فبعد الانقلاب الفاشل على الرئيس أردوغان في يوليو الماضي، والاشتباه في دعم غربي للخطوة، هرعت أنقرة لتسوية الملفات المتوترة وعلى رأسها العلاقات مع روسيا التي تضررت كثيرا بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية.
ولم يكن التصالح مع روسيا دون ثمن، فقد اتفق الطرفان على التنسيق في سوريا، وهو ما تجلى في خطوات لاحقة من أنقرة عندما استقطعت جزءا من الفصائل المسلحة لحساب حربها ضد الأكراد في الشمال السوري، الأمر الذي أثر على قوة المعارضة وجعلها فريسة التحالف الروسي الإيراني السوري في حلب.
وريما دفع خروج المعارضة من حلب، بناء على اتفاق كانت أنقرة ضالعة فيه، شيمشك للقول إن:” الحقائق التي تغيرت على الأرض”، وهي ذات الحقائق التي جعلت المعارضة في موقف تفاوضي صعب على طاولة محادثات أستانة التي تعقد بعد أيام في كازاخستان.
وفي مقابل حصول أنقرة على تسهيلات من روسيا لتحقيق أهدافها في الشمال السوري بإبعاد المسلحين الأكراد وتنظيم داعش عن الحدود، وجد الأتراك دورا لهم في سوريا عبر الرعاية الثلاثية لمفاوضات أستانة مع روسيا وإيران، ليصبح التخلي عن رحيل الأسد وفق المصالح التركية الجديدة والمعطيات الميدانية “أمرا غير واقعيا”، بحسب تعبير شيمشك.
ولا تغير إعادة صياغة تصريحات شمشيك لاحقا شيئا يذكر بالواقع، فالسياسة البرغماتية لأنقرة أفصحت عن هذا التحول منذ فترة، بتقديم مصالحها على الجماعات التي قاتلت تحت شعار رحيل الأسد، ولاحقا تحت راية “درع الفرات” لدحر أعداء أنقرة من الأكراد.
والتحول في سوريا جزء من تحولات تركية في ملفات أخرى عقب الانقلاب الفاشل، مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد التنازل عن شرط رفع الحصار عن غزة، والتقارب مجددا مع العراق، فيما يمثل عودة جديدة لسياسة “تصفير” المشكلات مع الجيران، لكن العودة إلى هذا الصفر تجاهل أرقاما كبيرة للخسائر البشرية للمدنيين وملايين المشردين واللاجئين في سوريا.