استفتاء كردستان .. بين تطلعات الأكراد والرفض الإقليمي والدولي
رغم ردود الفعل الدولية ازاء الاستفتاء حول استقلال اقليم كردستان العراق بين الرفض والتحذير من تداعياته او التحفظ على موعده تصر قيادة الاقليم على اجراء الاستفتاء غدا الاثنين كخطوة للحصول على تفويض شعبي للمضي نحو تحقيق التطلعات في اقامة دولة مستقلة للاكراد الذين يتوزعون على اربع دول من بينها العراق.
ويتمسك أكراد العراق بخططهم لإجراء استفتاء على استقلال إقليمهم في موعده وهو 25 من سبتمبر الجاري رغم رفض الولايات المتحدة ذلك وطلبها إرجاء مثل هذه الخطوة خشية تأثيرها السلبي على العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد وبالتالي عرقلة استراتيجية هزيمة مايسمى بتنظيم (داعش) في العراق وسوريا.
وتطالب كل من واشنطن والأطراف العراقية وأنقرة وطهران القيادة اقليم كردستان بالتخلي عن هذه الخطوة لكن رئيس الاقليم مسعود بارزاني وقادة سياسيين في كردستان يتمسكون بموعد الاستفتاء كما حددته الأطراف الكردية.
وأعربت وزارة الخارجية الامريكية في بيان عن خشيتها أن يؤدي الاستفتاء إلى صرف الانتباه عن أولويات أكثر إلحاحا مثل هزيمة (داعش) ورغم تقديرها لتطلعات مواطني كردستان العراق الا انها اكدت دعمها ل”عراق موحد يقوم على النظام الاتحادي وينعم بالاستقرار والديمقراطية”.
وبينما اعربت واشنطن للسلطات الكردية عن مخاوفها هذه ناصحة بالدخول في حوار جدي مع الحكومة المركزية في بغداد اعرب وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل في بيان عن مخاوف أوروبية مشابهة مشيرا إلى أن بلاده “تحذر من اتخاذ خطوات أحادية الجانب في هذه القضية خصوصا أن إعادة رسم حدود الدولة ليست هي الطريق الصحيحة وقد تؤدي إلى تفاقم الموقف الصعب والمضطرب أصلا في أربيل وبغداد أيضا”.
إلا أن رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني صرح في المقابل وفي اكثر من مناسبة أن “أي طلب لتأجيل الاستفتاء ينبغي أن يقترن ببديل وهذا البديل يجب أن يكون أقوى من آلية الاستفتاء”.
والبديل الذي يقصده البارزاني هو ضمانات دولية توقعها كل الأطراف خصوصا الأطراف الرئيسية المتمثلة ببغداد وواشنطن وحتى تركيا وإيران وهذه الضمانات تكون مكتوبة وتحدد يوما آخر أو موعدا آخر للاستفتاء وتتعهد باحترام نتائجه وفي هذه الحالة فقط بالإمكان تأجيل الاستفتاء وعدا ذلك لا يمكن تأجيله وسيجري في موعده المحدد.
ويتمتع إقليم كردستان المكون من ثلاث محافظات في شمال العراق وهي السليمانية واربيل ودهوك بحكم ذاتي منذ عام 1991 ويؤيد غالبية أكراد العراق البالغ عددهم نحو 6ر4 مليون نسمة الاستقلال عن العراق فيما تعارض حكومة بغداد استقلالا محتملا لكردستان وستكون المعارضة أشد في حال سعى الأكراد إلى بسط سيطرتهم خارج منطقتهم الحالية خصوصا في ظل وجود مناطق عدة متنازع عليها أهمها مدينة كركوك الغنية بالنفط.
واعرب مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة اقليم كردستان فلاح مصطفى لوكالة الانباء الكويتية (كونا) عن اعتقاده بان “كردستان ستصبح بعد الإستفتاء عاملا للاستقرار والسلم في المنطقة وستسعى إلى بناء علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة والعالم”.
وابدى مصطفى رغبة الاقليم “في توطيد وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وان تتحول هذه العلاقة الى شراكة طويلة الامد” لافتا الى “ان هذه الرغبة لا تعني تخلي اقليم كردستان عن طموح الاستقلال”.
واكد “ان حق تقرير المصير حق مشروع لكل الشعوب تضمنه المواثيق والعهود الدولية ومن حق الشعب الكردي ان يقرر مصيره بنفسه” موضحا “اننا في اقليم كردستان نشدد ونؤكد على ضرورة الحصول على هذه الحقوق بطريقة سلمية”.
واضاف ان “التصويت في يوم الاستفتاء هو تفويض من الشعب الكردستاني لقيادته السياسية للدخول في سلسلة مفاوضات ومحادثات مع بغداد بخصوص الاستقلال عن العراق”.
واوضح ان اقليم كردستان لايتفق مع تحفظ واشنطن على ان توقيت الاستفتاء قد يصرف الاهتمام عن الحرب على (داعش) قائلا “اننا لسنا مع هذا الرأي ونظرتنا تختلف فقد اكد اقليم كردستان التزامه بمحاربة (داعش) ونحن شركاء رئيسيين في الحرب ضد التنظيم سواء الان او في المستقبل كما ندعم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والقيادات المعتدلة في العراق”.
وتابع ان “اقليم كردستان مطلع على الموقف الامريكي من قضية الاستفتاء على الاستقلال سواء عبر السفارة الامريكية في بغداد او عبر مبعوث الرئيس الامريكي الخاص للتحالف الدولي ضد مايسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بريت ماكغورك او وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون”, واضاف “لقد شرحنا لهم موقفنا فيما يخص قرار اجراء الاستفتاء والاسباب والدوافع وراء اتخاذه .. اننا نتفهم ان للولايات المتحدة مصالحها الخاصة كما ان لاقليم كردستان ايضا مصالحه الخاصة”.
واشار الى ان “الجانب الامريكي اكد للاقليم استمرار الشراكة والتعاون والتنسيق بين الجانبين رغم الاختلاف في وجهات النظر بشأن موعد إجراء الاستفتاء” قائلا أن إقليم كردستان مستعد لردود الافعال التي وصفها بأنها عادية وطبيعية حتى الآن كون العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الاقليم ودول العالم ذات مصلحة مشتركة باعتبار “الاقليم يعد بوابة للعراق”.
واكد ان الاقليم سيواصل اتصالاته مع دول العالم للتشديد على كونه عامل استقرار في المنطقة وعلى رغبته في بناء علاقات ودية مع الجميع ولا يشكل تهديدا لاحد معربا عن اعتقاده ان “اي دولة من دول الجوار لن تقوم باغلاق حدودها مع اقليم كردستان او ايقاف علاقاتها الاقتصادية والتجارية” عل حد قوله.
غير ان تركيا حذرت بعد كل من واشنطن وألمانيا من ان “قرار رئاسة إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر الجاري يشكل خطأ فادحا” وذلك بالتزامن مع إعلان واضح للحكومة العراقية معارضتها استقلال الإقليم الشمالي.
واعتبرت وزارة الخارجية التركية في بيان ان “تنظيم استفتاء حول الاستقلال سيشكل خطأ فادحا” مضيفة ان “الحفاظ على سيادة الأراضي والوحدة السياسية للعراق هو أحد أسس السياسة التركية فيما يتعلق بالعراق”.
وتقيم تركيا علاقات جيدة مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني لكنها تعارض بشدة إعلان دولة كردية على قسم من أراضيها أو في أي من الدول المجاورة لها (سوريا وإيران والعراق).
وكانت تركيا قد أطلقت في أغسطس الماضي عملية عسكرية كبرى في شمال سوريا لطرد (داعش) ومنع المقاتلين الأكراد في سوريا من ربط المناطق التي يسيطرون عليها ببعضها البعض في سوريا.
وفي هذا السياق اكدت الحكومة العراقية “ان أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور وأي قرار يخص مستقبل العراق المعرف دستوريا بأنه بلد ديمقراطي اتحادي واحد ذو سيادة وطنية كاملة يجب أن يراعي النصوص الدستورية ذات الصلة وان مستقبل العراق ليس خاصا بطرف واحد دون غيره بل هو قرار عراقي وكل العراقيين معنيون به فلا يمكن لأي طرف وحده أن يحدد مصير العراق بمعزل عن الأطراف الأخرى”.
ومن اجل طمأنة الحكومة العراقية ودول الجوار والعالم فقد اصدرت اللجنة العليا لاستفتاء إقليم كردستان بإشراف مسعود بارزاني بيانا اثنت فيه على “العمل والأداء الجماعي للوفد المفاوض لبغداد “كما تم التأكيد فيه “على مواصلة الحوارات والمفاوضات مع بغداد بشأن الاستفتاء ومستقبل العلاقات بين الجانبين”.
وعلى الصعيد الداخلي في الاقليم فان نسبة كبية من الاحزاب الكردستانية بمن فيهم التركمان والمسيحيين والايزديين يؤيدون اجراء الاستفتاء في حين يعارض عدد قليل من الاحزاب اجراءه في الوقت الحالي ولهم فيها مبرراتهم مثل ضرورة استمرار الحرب ضد (داعش) وترتيب البيت الداخلي في كردستان .
كما يشعر بعض سكان الاقليم بالقلق ازاء امكانية تأثير عملية الاستفتاء على الوضع الاقتصادي للاقليم نظرا لمعاناة الاقليم منذ ثلاثة اعوام تقريبا من ازمة مالية حادة جراء قطع رواتب الموظفين من بغداد في حين ان الحكومة المحلية لم تتمكن من تسديد سوى ربع رواتب الموظفين.
ويخشى سكان الاقليم ايضا من احتمالات اغلاق الحدود الدولية لاسيما مع ايران وتركيا لانهما الموردان الرئيسان للاقليم من حيث المواد الغذائية.
وهكذا وبالرغم من جميع التحديات الداخلية والاقليمية والدولية فان الاقليم ماض في اجراء الاستفتاء لتحديد مصيره.