الرئيس الروسي يعقد لقاء قمة مع نظيره التركي في أنقرة غدا الخميس
يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة رسمية الى انقرة يوم غد الخميس يبحث خلالها مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تطورات الأوضاع في سوريا لاسيما مسألة نشر قوات تركية في محافظة ادلب الى جانب العلاقات الثنائية بين البلدين.
وستتضمن مباحثات بوتين واردوغان الخطوات اللازمة للقضاء على التنظيمات ” الارهابية” الى جانب شراء تركيا منظومة الصواريخ (اس 400) الروسية وسط قلق دول حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وقالت وزارة الخارجية التركية في وقت سابق ان مراقبين من الدول الثلاث الضامنة (تركيا وروسيا وايران) سينتشرون في نقاط التفتيش والمراقبة في المناطق المؤمنة التي تشكل حدود منطقة خفض التوتر في ادلب.
واعلنت روسيا ان الدول الثلاث سترسل كل واحدة منها 500 جندي الى مناطق خفض التوتر في سوريا على ان تستمر مواصلة المباحثات الفنية بين الدول حول طريقة نشر تلك القوات.
وكانت الدول الضامنة قد وقعت مطلع مايو الماضي مذكرة تنص على وقف الاطراف المتصارعة في سوريا استخدام جميع الاسلحة في المناطق الخالية من الاشتباكات وضمان ايصال المساعدات الانسانية إليها.
وفي هذا الصدد تواصل تركيا ارسال تعزيزات عسكرية الى المناطق الجنوبية لنشرها على الحدود مع سوريا وتتضمن التعزيزات افرادا من القوات الخاصة و(الكوماندوز) الى جانب دبابات ومدفعية وناقلات جنود مصفحة وآليات عسكرية وهندسية.
وسيبحث الجانبان أيضا مسألة شراء أنقرة منظومة صواريخ (اس 400) الروسية بعيدة المدى المضادة للطائرات والتي يمكنها حمل ثلاثة انواع من الصواريخ القادرة على تدمير الأهداف بما فيها الصواريخ الباليستية وصواريخ (كروز).
واعلن اردوغان في مطلع سبتمبر الحالي ايداع مبلغ الدفعة الأولى من شراء الصواريخ الروسية والتي تقدر قيمتها بنحو 5ر2 مليار دولار ما أثار هذا الاتفاق قلقا بين دول حلف (ناتو) بسبب ان نظام الدفاع الجوي الروسي لا يتفق مع الدفاعات الجوية لأعضاء الحلف.
وقال الرئيس التركي في كلمة أمام منتدى الأعمال العالمي على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي ان بلاده تبذل جهودا لشراء منظومة الصواريخ الروسية للحفاظ على أمنها مشيرا الى وجود صواريخ (اس 400) في سوريا.
وأكد مستشار الصناعات الدفاعية التركية اسماعيل دمير امس الاول الاثنين ان انقرة ستبدأ بتسلم منظومة الصواريخ الروسية بعد سنتين على أقل تقدير بعد ان أكد مساعد الرئيس الروسي فلاديمير كوجين انه تم توقيع عقد الصفقة.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية شهدت العلاقات التركية – الروسية تطورا وتحولا لافتا منذ مطلع العام الحالي تخطى مرحلة التوتر بينهما بعد اسقاط المقاتلات التركية طائرة حربية روسية كانت في مهام على الحدود السورية في نوفمبر 2015 لتدخل مرحلة عقد تحالفات وثيقة.
وشهدت العلاقات بين البلدين تعاونا وتنسيقا كبيرين في اطار الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية كما اتفق الجانبان على اجلاء المدنيين من شرق مدينة حلب السورية الى ريف ادلب في ديسمبر الماضي ثم رعايتهما المشتركة لمفاوضات السلام السورية بين النظام والمعارضة في العاصمة أستانا وانتهاء الى شن الطرفين غارات جوية مشتركة في يناير الماضي للمرة الأولى ضد مواقع تابعة لما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في شمال سوريا.
وأعطت حادثة اغتيال السفير الروسي السابق لدى تركيا أندريه كارلوف على يد ضابط بالقوات الخاصة التركية في ديسمبر الماضي دفعة قوية للعلاقات بين البلدين اذ اعتبر المسؤولون الاتراك والروس اغتيال كارلوف “عملا استفزازيا آخر من الذين يسعون الى الاضرار بالعلاقات التركية الروسية ويهدف الى عرقلة العلاقات بين الدولتين” فيما اتهمت حكومة أنقرة ما يسمى (الكيان الموازي) بالضلوع في عملية الاغتيال.
وفي هذا السياق أكد السفير الروسي الجديد أليكسي يرخوف سعي بلاده الى رفع حجم التبادل التجاري مع تركيا الى مئة مليار دولار وزيادة عدد السياح الروس اليها بحوالي ثلاثة ملايين زائر خلال العام الحالي.
وقال ان جهوده ستتركز على تعزيز العلاقات الثنائية خاصة الاقتصادية ومتابعة مشروعي (السيل التركي) لنقل الغاز الروسي الى أوروبا عبر تركيا واستكمال بناء محطة (أكويو) النووية في مدينة (مرسين) جنوبي تركيا.
واسهمت زيارة الرئيس الروسي الى مدينة اسطنبول في أكتوبر الماضي وهي الأولى منذ حادثة اسقاط الطائرة في تعزيز وإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا اذ توجت الزيارة التي تمت على هامش مشاركة بوتين في مؤتمر الطاقة العالمي بتوقيع اتفاقية مشروع خط الغاز الطبيعي (السيل التركي).
كما اثمرت مشاركة رئيس الوزراء الروسي ديميتري مديفيديف الى اسطنبول في مايو الماضي بقمة منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود عن توقيع البلدين اعلانا مشتركا لازالة القيود أمام العلاقات التجارية التي فرضتها موسكو على أنقرة بعد حادثة اسقاط الطائرة عدا استيراد الطماطم التركية ومسألة إلغاء تأشيرة الدخول.
ومن المتوقع ان يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي في المشروع الذي تم انجاز 250 كيلو مترا من طول خط أنابيبه من أصل 900 كيلو مترا نحو 63 مليار متر مكعب سنويا منها 49 مليارا ستذهب الى السوق الأوروبية فيما ستخصص كمية 14 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.
وتعد تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد المانيا اذ تستورد أنقرة سنويا من موسكو 30 مليار متر مكعب ما يعادل نسبة 60 في المئة من استهلاكها في حين تأتي ايران ثانية في تصدير الغاز الى تركيا تليها أذربيجان ثم فنزويلا والجزائر.
كما اتفق الطرفان على استكمال بناء محطة (اكويو) والتي تم توقيع عقد بنائها في عام 2010 بقيمة 20 مليار دولار وتدريب 200 طالب تركي في روسيا ليصبحوا خبراء في الطاقة النووية.
كما اتفق الجانبان خلال زيارة بوتين على تسريع التنسيق بين المؤسسات العسكرية والقوات الخاصة وتكثيف التعاون في مجال الصناعات الدفاعية فيما أكد رئيسا البلدين عزمهما على زيادة حجم التبادل التجاري الذي شهد تراجعا بنسبة 40 في المئة خلال الاشهر الثمانية الأولى من العام الماضي ليصل الى نحو 27 مليار دولار بعد ان سجل 38 مليار دولار قبل حادثة اسقاط الطائرة.
وأعلن مجلس المصدرين الأتراك الأسبوع الماضي ارتفاع قيمة الصادرات التركية الى روسيا بنسبة 5ر52 في المئة خلال الفترة من مطلع يناير حتى نهاية أغسطس الماضيين مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وقال المجلس في بيان ان قيمة الصادرات التركية الى روسيا خلال الثمانية اشهر الأولى من عام 2017 بلغت 556ر1 مليار دولار فيما وصلت قيمتها بالفترة ذاتها في العام الماضي 20ر1 مليار دولار.
وذكر البيان ان قيمة الصادرات في عام 2015 بلغت 679ر3 مليار دولار قبل ان تنخفض بشكل كبير في العام الماضي لتسجل قيمة 787ر1 مليار دولار بسبب حادثة اسقاط الطائرة الروسية.
وفي المجال السياحي اعلنت وزارة السياحة التركية مطلع سبتمبر الحالي ان السياح الروس شكلوا نسبة 33 في المئة من اجمالي الزوار الأجانب لمدينة (أنطاليا) المطلة على البحر المتوسط والتي تعد الوجهة المفضلة للروس اذ بلغ عددهم 6ر2 مليون زائر روسي للمدينة من اجمالي 5ر7 مليون سائح اجنبي استضافتهم (أنطاليا) خلال الاشهر الثمانية الأولى من العام الحالي.
وشهدت انقرة وموسكو منذ يوليو 2016 العديد من اللقاءات الرسمية بين مسؤولي البلدين خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة والسياحة تمخضت عن رفع روسيا القيود عن سفر السياح الروس الى تركيا.
والتقى الرئيس اردوغان نظيره الروسي بوتين في (سانت بطرسبورغ) الروسية في التاسع من اغسطس 2016 وهو اللقاء الاول بينهما بعد حادثة اسقاط الطائرة كما اعتبرت اول زيارة خارجية يقوم بها اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشل التي شهدتها بلاده منتصف يوليو 2016 والتي اعرب فيها بوتين عن تضامنه مع الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا.
وكانت مدينة (هانغزو) الصينية مسرحا للقائهما الثاني الذي عقد على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين (جي 20) في بداية سبتمبر 2016.
كما ترأس بوتين واردوغان وفد بلديهما في الاجتماع السادس لمجلس التعاون بين البلدين بموسكو في مارس الماضي والذي تخلله توقيع ثماني اتفاقيات في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والثقافة وتوقيع مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري مشترك يهدف الى تمويل المشروعات المشتركة والعمل على رفع العقوبات عن صادرات الخضار والفواكه التركية الى روسيا.
وعقدا أيضا لقاء في مدينة (سوتشي) الروسية في مايو الماضي ولقاء آخر في يوليو الماضي على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة (هامبورغ) الألمانية.
واعتبر مسؤولون اتراك ان تقارب بلادهم مع روسيا لا يعني بالضرورة تأثر العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وحلف (ناتو) سلبا رغم امتعاض أنقرة من مواقف تلك الدول والمنظمات واعتبارها انها لم تقف الى جانبها بالشكل المطلوب بعد محاولة الانقلاب الفاشل.
وكانت العلاقات بين أنقرة وموسكو شهدت توترا كبيرا بعد حادثة اسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015 والتي أدت إلى مقتل الطيارين الروسيين تخللها فرض موسكو جملة من العقوبات الاقتصادية منها إلغاء عقود صادرات الفواكه والخضار التركية لروسيا والتي شهدت انخفاضا في عام 2016 بنسبة 5ر61 في المئة مقارنة بعام 2015 كذلك ممارستها التضييق على رجال الأعمال الأتراك ووضع عراقيل أمام دخولهم بمشروعات الدولة اضافة الى تعليق نظام الاعفاء من تأشيرة الدخول مع تركيا وفرض تأشيرة دخول على أطقم الطيران التركي الخاص.
كما ألغت الجامعة الوطنية للأبحاث النووية الروسية برنامجا لتدريب الطلبة الأتراك والذي يمثل جزءا من اتفاقية بناء المحطة النووية (اكويو) في حين فرضت موسكو حظرا على تنظيم الرحلات السياحية الى تركيا والطائرات المستأجرة المتجهة إليها ما أدى الى انخفاض عدد السياح الروس بنسبة كبيرة جدا.
بيد ان العلاقات عادت الى طبيعتها عقب اجراء اتصال بين رئيسي البلدين في 29 يونيو 2016 بعد رسالة وجهها اردوغان الى بوتين اعرب فيها عن حزنه ازاء حادثة اسقاط الطائرة وتعاطفه مع أسر الطيارين اللذين قتلا بالحادث.