“كتالونيا” الإسباني يجري غدا استفتاء الانفصال عن إسبانيا وسط توتر شديد
سيعيش إقليم (كتالونيا) الاسباني غدا الاحد يوما تاريخيا يشهد خلاله استفتاء الانفصال عن إسبانيا من جانب واحد “غير قانوني” ويمثل ذروة الازمة مع حكومة مدريد بعد سنوات من التوتر والنزاع المفتوح بين الطرفين.
واستدعت حكومة (كتالونيا) ذاتية الحكم 34ر5 مليون مواطن للتصويت في الاستفتاء المعلق من قبل المحكمة الدستورية الاسبانية بناء على طلب حكومة مدريد التي تعترض عليه بشكل كامل وتعتبره “غير شرعي” وغير “قانوني” وتجد فيه انتهاكا للدستور الاسباني وحقوق جميع المواطنين الاسبان.
ورغم تحذيرات المحكمة الدستورية القاسية خلال الفترة الأخيرة فقد مضت حكومة الإقليم برئاسة كارليس بويجديمونت في مساعيها الهادفة لتنظيم الاستفتاء وأعلنت أمس الجمعة انه سيتم فتح 2315 مركز اقتراع منها 207 مراكز في العاصمة (برشلونة) وتوفير 6299 طاولة انتخابية سيشرف عليها 7235 متطوعا.
وتشير استطلاعات الرأي إلى ان اقل من نسبة 50 في المئة من الشعب الكتالوني يؤيدون اجراء الاستفتاء على الانفصال عن إسبانيا وحق تقرير المصير.
ومن المتوقع ان يصوت عدد كبير من المواطنين برفض الانفصال الا انهم سيخرجون للمشاركة في المظاهرات غدا للتعبير عن رفضهم لسياسات حكومة مدريد اليمينية التي لم تحرك ساكنا للتعامل مع المطالب الانفصالية على مدار السنوات الماضية ولاعتبار انها استخدمت أساليب “القمع” باعتقال مسؤولين في الحكومة الإقليمية في وقت سابق هذا الشهر.
وترتكز العملية الانفصالية على الجانب الاقتصادي بدرجة كبيرة اذ تتهم (كتالونيا) مملكة إسبانيا “بسرقتها” فيما لا يكاد خلو خطاب حول الانفصال عن إسبانيا من ارقام اقتصادية.
وفي الوقت الذي يشدد أنصار الانفصال على التكاليف الباهظة التي تتحملها (كتالونيا) في انتمائها الإسباني والمنافع الكبيرة التي ستحصل عليها لدى انفصالها فإن مناهضي الانفصال يؤكدون ان تلك الخسائر تفوق المكاسب بشكل هائل.
وتؤكد حكومة (كتالونيا) انها تخسر 16 مليار يورو (9ر18 مليار دولار) سنويا لانتمائها إلى إسبانيا الأمر الذي تؤكد حكومة مدريد أنه عار من الصحة.
ووفقا لبيانات المعهد الوطني الاسباني للاحصاء تشكل (كتالونيا) نسبة 19 في المئة من القدرة الإنتاجية في إسبانيا اذ حققت 8ر211 مليار يورو (2ر250 مليار دولار) من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا في العام الماضي فيما يشكل سكانها نسبة 16 في المئة من سكان إسبانيا ب41ر7 مليون نسمة.
وتحظى (كتالونيا) بعدد سكان أقل من سويسرا وبناتج محلي إجمالي شبيه ببلجيكا ما يعني انها ستكون قادرة على البقاء كدولة مستقلة غير ان الاقتصاديين يحذرون من انها ستواجه عددا كبيرا من المشكلات على أرض الواقع بسبب عواقب القطيعة مع إسبانيا وبشكل خاص على المدى القصير.
ويؤكد تقرير صدر في الفترة الأخيرة عن مصرف (كريدي سويس) ان (كتالونيا) ستفقد بغض النظر عن هروب رؤوس الأموال وتكاليف اعتماد عملة جديدة وإنشاء هياكل حكومية جديدة ما يعادل نسبة 20 في المئة من ناتجها المحلي في حال انفصلت عن إسبانيا.
ولمعرفة حجم ذلك يكفي النظر إلى ان هبوط الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا بنسبة سبعة في المئة بسبب الازمة الاقتصادية تسبب في نمو البطالة أربعة أضعاف والدين الاسباني ثلاثة أضعاف وازدياد الضرائب وخفض الانفاق العام وإلحاق الضرر بدولة الرفاهية. أما على الجانب الاسباني فيشكل انفصال (كتالونيا) كذلك ضربة موجعة فقد قال بنك (أتش أس بي سي) ان إسبانيا ستفقد 2ر411 مليار يورو سنويا (7ر485 مليار دولار) لتتراجع من المرتبة الخامسة إلى المرتبة السادسة على سلم الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي.
وكانت وكالة (ستاندرد اند بورز) العالمية للتصنيف الائتماني اكد مساء امس الجمعة حفاظ الديون السيادية الإسبانية على التصنيف الائتماني للديون السيادية الإسبانية عند (بي بي بي زائد) بتوقعات مستقبلية ايجابية وان “التوتر” المفتوح مع كتالونيا قد يضعف النمو الاقتصادي.
وأكدت وكالة (موديز) العالمية للتصنيف الائتماني التي ستعيد تقييم الدين العام الاسباني في 20 أكتوبر المقبل ان استقلال (كتالونيا) سيؤثر سلبا على الاقتصاد الاسباني. ورغم تأكيد وزير الاقتصاد الاسباني لويس دي غيندوس بأن التأثير الاقتصادي “غير موجود إطلاقا” فإن السوق اتخذت منحى آخر حيث أوصى بنك (بي.جي مورغان) المستثمرين ببيع سندات الدين الاسباني واستبدالها بسندات سيادية ألمانية أو برتغالية.
وحذر رئيس غرفة تجارة الولايات المتحدة الأمريكية في إسبانيا خايمي ماليت من مخاطر فقدان (كتالونيا) لمقرات عدد كبير من الشركات وانتقالها إلى أماكن أخرى في إسبانيا إذا ما تبنت “حقيقة موازية” للشرعية الاسبانية بعد الاستفتاء مؤكدا ان شركات كثيرة وضعت للتو خططا بديلة.
ولعل المعضلة الكبرى التي تتجلى في هذا المسألة هي الانفصال عن أوروبا وفقدان جميع الميزات التي يمنحها والضرورية للمضي قدما في بناء “الدولة الكتالونية المستقلة” والحديث هنا عن الصادرات سواء لإسبانيا أو لبقية الدول الأوروبية التي تعد وريدا أساسيا في اقتصاد الإقليم. ورغم تأكيد إسبانيا والسلطات الأوروبية والحلفاء الأوروبيين ان خروج (كتالونيا) من إسبانيا هو خروج كلي من الاتحاد الأوروبي فإن المؤيدين للانفصال يؤكدون ان (كتالونيا) لن تجد عوائق في العودة تحت مظلة الاتحاد لأن المصالح الاقتصادية ستتغلب على الجانب العاطفي في نهاية المطاف.
وكثيرة هي المسائل والقضايا التي تثيرها العملية الانفصالية ورغم ان معظمها حاليا ذو طابع اقتصادي فلها أيضا أبعاد سياسية حيث لا يمكن لأوروبا وضع سابقة من نوعها بانفصال منطقة غنية عن الدولة التي تنتمي لها بحجة انها تمنح أكثر مما تدين به لان ذلك سيفتح الباب لأقاليم أخرى بالمطالبة بالانفصال مثل (فينيتو) الإيطالية و(فلادرز) البلجيكية أو (بافاريا) الألمانية.