“كتالونيا” تعلن استقلالها من جانب واحد وتقود إسبانيا إلى سيناريو مجهول
بعد سنوات من الأخذ والرد بين (كتالونيا) وحكومة مدريد وتوتر بلغ أشده مطلع الشهر الجاري بلور الإقليم مطالبه الانفصالية بإعلان استقلال من جانب واحد أمس الجمعة فيما نفذت حكومة مدريد تهديداتها بتطبيق البند 155 من الدستور الاسباني لوقف المد الانفصالي.
وباتت إسبانيا اليوم مغمورة في أسوأ أزمة سياسية واجتماعية في عهدها الديمقراطي منذ أربعة عقود وسط سيناريو مجهول المعالم بوصفها المرة الأولى التي تواجه فيه تحديا انفصاليا بهذه الخصائص.
وردا على اعلان (كتالونيا) استقلالها أعلن رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي في بيان مؤسسي مساء اليوم نفسه تدابير حاسمة وغير مسبوقة في محاولة لتطويق الأزمة كان العنصر المفاجئ فيها هو حل البرلمان الكتالوني الإقليمي والدعوة لإجراء انتخابات إقليمية في 21 ديسمبر المقبل وهي المدة الأقصى التي يحددها الدستور الاسباني لاجراء انتخابات عند 54 يوما.
كذلك أعلن راخوي التعليق الفوري لمهام رئيس إقليم (كتالونيا) كارليس بويجديمونت ونائبه وجميع مستشاريه وأفراد حكومته وتسليم مهامهم لأفراد ستعينهم حكومة مدريد للعمل تحت سلطة وزارات الدولة المختلفة.
وذكر انه سيتم الغاء جميع التمثيلات والسفارات الكتالونية في الخارج وتعليق مهام المدير العام للشرطة الإقليمية معتبرا انها تدابير ضرورية للرد على قرارات تعتزم “اختطاف معظم الكتالونيين وسرقة جزء من الاراضي الإسبانية”. ويأتي ذلك بعدما أعلن برلمان (كتالونيا) الإقليمي في جلسته المنعقدة ظهر يوم الجمعة الاستقلال من جانب واحد عن إسبانيا وإنشاء “الجمهورية الكتالونية كدولة مستقلة ذات سيادة” وعزمه تأسيس الجمهورية تمهيدا لانخراطها في المجتمع الدولي في أسرع وقت ممكن. وتمت المصادقة على القرار بأغلبية 70 صوتا في المجلس المؤلف من 135 نائبا وأغلبيته الساحقة عند 68 نائبا فيما رفضه 10 نواب واحتسب صوتان فارغان في حين خرج نواب الحزب الاشتراكي الكتالوني (16 نائبا) والحزب الشعبي (11) وحزب (ثيوادانوس) (25) الموالي من المجلس قبل التصويت اعتراضا على الإعلان تاركين أعلام إسبانيا في أماكنهم.
وجرى التصويت في بشكل سري تجنبا لأي مساءلة قانونية محتملة مستقبلا لكن ليس من الصعب تبين ان التكتل الانفصالي برمته أجاب ب(نعم) حيث يتكون اجمالا من 72 نائبا منهم 62 نائبا في ائتلاف (معا من أجل نعم) والنواب ال10 في حزب (ترشيح الوحدة الشعبية) اليسار الراديكالي علما ان الصوتين الاحتجاجيين جاءا ليكونا ذريعة أي نائب انفصالي أمام القضاء في حال جرت المساءلة في المستقبل. وعقب ذلك بنحو ساعة صادق مجلس الشيوخ الاسباني بأغلبية أصوات 214 صوتا في المجلس المؤلف من 266 نائبا على منح الحكومة الاسبانية الضوء الأخضر لتطبيق البند 155 من الدستور الاسباني وتم تمريره إلى مجلس الوزراء الاسباني مجددا لتنفيذه بعد توقيع العاهل الاسباني الملك فيليبي السادس عليه.
ورغم ان أصوات نواب الحزب الشعبي المحافظ الحاكم البالغة 149 صوتا كانت كافية للمصادقة على تطبيق البند فإن هذه الخطوة حظيت كذلك بدعم الحزب الاشتراكي المعارض ب62 ونواب حزب (ثيودادانوس) و(ائتلاف كناريا) و(اتحاد الشعبي النافاري).
وسارع راخوي الى دعوة الشعب الاسباني إلى “الهدوء” مؤكدا ان الحكومة الاسبانية “ستعيد الشرعية إلى (كتالونيا)” في حين ان اعلان البرلمان الكتالوني الانفصال من جانب واحد “لا ينتهك القانون فحسب بل هو عمل إجرامي”.
ويحظى راخوي بدعم دستوري وسياسي كامل لتطبيق البند 155 من الدستور الاسباني حيث يؤيده حزب (ثيودادانوس) الموالي له والحزب الاشتراكي وائتلاف (أونيدوس – بوديموس) اليساري الراديكالي الذي دافع طوال الفترة الماضية عن ضرورة اجراء استفتاء متفق عليه في (كتالونيا) لكنه وصف هذا اليوم ب”اليوم الحزين” في إسبانيا.
كذلك يحظى راخوي بدعم حلفائه الأوروبيين حيث أكدت حكومات كبرى الدول وقوفها إلى جانبه أمس الجمعة معتبرة ان (كتالونيا) “جزء لا يتجزأ من اسبانيا” فيما دعت إلى إيجاد حل في إطار النظام الدستوري الاسباني من أبرزها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
كذلك أبرزت مؤسسات بارزة منها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) دعمها لوحدة إسبانيا في حين أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لاتخاذ التدابير الدستورية التي تراها مدريد مناسبة للحفاظ على اسبانيا قوية وموحدة علما ان إقليم (كتالونيا) كان يعلق آمالا كبيرة على الدعم الأمريكي لمطالبه.
وعن السيناريوهات المحتملة فمن غير الواضح ما إذا كانت الدعوة إلى اجراء انتخابات إقليمية مبكرة ستساعد على حل الازمة في ظل الانقسام الواضح في المجتمع الكتالوني حيث يؤكد استطلاع للرأي أجرته صحيفة (ال بيريوديكو) يوم الأحد الماضي ان الانتخابات قد تسفر عن نتائج مماثلة للانتخابات الأخيرة في عام 2015 التي تكشفت عن فوز ائتلاف من الأحزاب المؤيدة للاستقلال بالحكم ب72 مقعدا في البرلمان الإقليمي.
وتظهر استفتاءات انقساما في الرأي بنسبة 50 بالمئة في حين تظهر أخرى انقساما بنسبة (40 – 60) بالمئة بين مؤيد للبقاء في إسبانيا ومؤيد للاستقلال الأمر الذي يهدد نجاح الانتخابات في الاتجاه الذي ترجوه مدريد لا سيما ان الوضع في المنطقة مازال متأججا.
أما السيناريو الآخر فيتمثل في العصيان المدني حيث حثت كبرى الجماعات الانفصالية على ذلك وأصدرت تعليمات للموظفين بعصيان أوامر مدريد والاستجابة بمقاومة سلمية بانتظار ان يتكشف الأسبوع المقبل عن ذلك مع العلم ان حكومة مدريد هددت بقطع أجور المتمردين.
ورغم ان حكومة راخوي أكدت نيتها عدم اجراء اعتقالات فإنه من غير الواضح كيف ستمضي قدما إن رفض الموظفون وأعضاء حكومة بويجديمونت التخلي عن مهامهم ومكاتبهم لا سيما ان استخدام العنف أمر من شأنه قلب الطاولة على حكومة مدريد كما حصل على مدار يوم الاستفتاء “غير الشرعي” في الأول من شهر أكتوبر الجاري.
بالإضافة إلى ذلك ستكون العلاقات بين الحكومة الاسبانية والشرطة الإقليمية إحدى المشاكل الرئيسية في الإقليم لاسيما بعد اعلان راخوي أمس تعليق مهام المدير العام لها وإعلان وزارة الداخلية تعليق مهام قائدها الأعلى بعد توليها قيادة الشرطة الاقليمية بموجب البند 155.
وتسري الشكوك بانقسام الشرطة الإقليمية (موسوس دي اسكوادرا) المؤلفة من 17 ألف عنصر بين مؤيد للاستقلال ومعارض له.
يذكر انه في سياق تطورات الأمور في الفترة الأخيرة فان وسائل الاعلام ستلعب دورا كبيرا حتى اجراء الانتخابات المبكرة في ديسمبر لا سيما بعدما كادت حكومة راخوي تعلن سيطرتها على التلفزيون الإقليمي الكتالوني (تي.في.3) الذي يعد مرجعية أساسية للمشاهدين الانفصاليين في الإقليم والذي يدعم بشكل واضح وصريح المطالب الاستقلالية.
بيد ان مدريد تخلت عن تلك الفكرة بعدما رفض الحزب الاشتراكي تأييدها للدفاع عن حرية التعبير عن الرأي وعمل الصحفيين.
وبانتظار التطورات خلال الساعات والأيام المقبلة يواصل عشرات الآلاف من المواطنين المؤيدين للاستقلال احتفالاتهم المدوية في شوارع المدن الكتالونية في حين يعم القلق وعدم اليقين الأوساط السياسية ويسود الأسى الأوساط الاجتماعية في (كتالونيا) لأن التطورات الأخيرة قوضت دعائم عائلات بأكملها ونالت من صداقات عريقة وعلاقات الزمالة.