تباين الموقفين الأمريكي والأوروبي من المصالحة الفلسطينية
أبرز اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة الشهر الماضي، تبايناً لافتاً بين موقفي الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية في القدس، ترى الإدارة الأمريكية في المصالحة إعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وأنها ما زالت متمسكة بموقفها القديم من حركة حماس القائم على ضرورة استجابتها للشروط الثلاثة المعروفة، وهي “نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وحل جناحها العسكري”.
وقال دبلوماسي غربي بحسب صحيفة “الحياة”، إن “المبعوثين الأمريكيين لعملية السلام قدموا نصيحة إلى السلطة الفلسطينية منذ تشكيل فريق السلام الأمريكي الحالي، بعد تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة، مفادها أن عليها استعادة غزة، لأن “أي عملية سلام قادمة تتطلب توحيد الفلسطينيين”.
وأضاف أن “الإدارة الأمريكية أبلغت الجانب الفلسطيني بأنها تبحث في صفقة شاملة تشمل كل الفلسطينيين، وليس فقط الضفة الغربية لوحدها”.
وتابع أن الإدارة الأمريكية عارضت الإجراءات التي اتخذتها السلطة في غزة مثل تقليص رواتب الموظفين وكميات الكهرباء وغيرها، ونصحت السلطة بإلغائها منذ اليوم الأول، معربة عن قلقها من نتائجها الاجتماعية والسياسية، مثل تغذية الجماعات السلفية المتطرفة والعنف.
الموقف الأوروبي
أما الاتحاد الأوروبي، الذي عارض بدروه الإجراءات التي اتخذتها السلطة في غزة، فإنه رحب باتفاق المصالحة الأخير، واعتبر أن شروط “الرباعية الدولية” القديمة المعروفة، لم تعد ذات صلة.
وقال دبلوماسي غربي مقرب من مفوضية الاتحاد الأوروبي العاملة في القدس، إن “التوصيات التي قدمتها مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل، تقول إنه علينا دعم المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وإن هناك فرصة لاحتواء حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني، من دون فرض أي شروط عليها”.
وأضاف: “نحن نراقب التطورات الجارية في غزة، ونرى أن استقرار الأوضاع يتطلب شراكة بين مختلف الأطراف الفلسطينية، وأن إقصاء أي طرف قد يؤدي إلى عودة الصراع مجدداً”، مشيراً إلى أنه ليس من العدل وضع شروط خاصة على حزب سياسي فلسطيني من دون أن يسري الأمر ذاته على الأحزاب السياسية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن قيادة الاتحاد الأوروبي تتجه للترحيب بأي حكومة تشكلها السلطة الفلسطينية لخدمة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولو شاركت فيها حركة حماس بشكل أو بآخر.
وأصدر المبعوث الأمريكي لعملية السلام جيسون غرينبلات، بياناً مساء الجمعة، رحب فيه بتسلم السلطة الفلسطينية المعابر في قطاع غزة، لكنه جدد تأكيد موقف الإدارة الأمريكية القائم على “ضرورة أن تلتزم أي حكومة فلسطينية بشكل واضح لا لبس فيه بنبذ العنف، والاعتراف بدولة إسرائيل، والقبول بالاتفاقات والالتزامات السابقة بين الطرفين، بما في ذلك نزع سلاح حماس، والالتزام بالمفاوضات السلمية”.
وقال غرينبلات في بيانه إن “أمريكا تؤمن بأنه من الضروري أن تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي مسؤولياتها كاملة في غزة، وأنها ستتابع التطورات في غزة عن كثب وستعمل مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل والمانحين الدوليين لتحسين الحالة الإنسانية في غزة”.
معابر غزة
أما مفوضية الاتحاد الأوروبي في القدس، فأصدرت بياناً اعتبرت فيه “استلام السلطة الفلسطينية مسؤولية معابر قطاع غزة خطوة مهمة على صعيد تنفيذ الاتفاق الموقع في القاهرة في 12 أكتوبر (تشرين الثاني)، وعلى صعيد استلام السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة في قطاع غزة وإنجاز المصالحة الفلسطينية”.
وأضاف أن “الاتحاد الأوروبي يؤكد من جديد استعداده لتقديم الدعم الكامل للجهود الرامية إلى إعادة الوحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية الواحدة الشرعية، وهذا يشمل استعدادنا لإرسال بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح، حين يطلب ذلك أحد الأطراف وعندما تسمح الظروف بذلك”.
وكشف البيان وجود اتصالات جارية مع كافة “الأطراف المعنية”، مشيراً في ذلك إلى إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية واللجنة الرباعية الدولية.
وقال ديبلوماسي غربي أن الاتحاد الأوروبي أرسل فريقاً إلى غزة لدراسة الأوضاع على معبر رفح، تمهيداً لعودة فريق المراقبين إلى المعبر فور تشغيله.
وكشف مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد، عن تفاهم مصري فلسطيني على عودة فريق المراقبين إلى معبر رفح لدى تشغيله في 15 الشهر الجاري، وقال الأحمد إن تشغيل المعبر سيتم وفق اتفاق العام 2005، والذي نص في حينه على وجود فريق أوروبي على المعبر لمراقبة الحركة فيه.
ويعتقد أن المرحلة الأولى من تمكين حكومة الوفاق الفلسطينية، التي تمثلت في تسلم المعابر، ستسير قدماً، على رغم ما رافقها من توترات بين مسؤولين في حركتي فتح وحماس.
حماس ومنظمة التحرير
لكن دبلوماسيين وسياسيين يعتقدون بأن المصالحة ستواجه الموقف الأمريكي المعارض لأي حكومة تشارك فيها حركة حماس، في حال عدم قبول شروطها.
وقال دبلوماسي غربي: “لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستتعامل مع حكومة فلسطينية أو مع منظمة التحرير الفلسطينية، في حال مشاركة حركة حماس فيها، قبل أن تقبل الشروط الأمريكية المعروفة”.
وتبدي حركة حماس مرونة لافتة في ملفات المصالحة بهدف التخلص من أعباء الحكم في غزة والدخول في النظام السياسي الفلسطيني، خاصة منظمة التحرير ومجلسها الوطني والمجلس التشريعي للسلطة، وبدرجة أقل الحكومة، وتبدي حماس استعدادها لتأييد حكومة يشكلها عباس، من دون أن يكون لديها ممثلون فيها.
ويرى بعض المراقبين أن مشاركة حماس في الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير من دون دخولها الفعلي إلى المنظمة، يشكل حلاً للمرحلة الراهنة، لكنهم يشيرون إلى أن حماس تتطلع إلى المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني، وأن بقاءها خارج هذا النظام من شأنه أن يهدد استقراره وقدرته على تمثيل الكل الفلسطيني في أي عملية سياسية قادمة.