حصيلة متباينة لأعمال الدورة الـ48 للمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”
اسدلت الدورة ال48 للمنتدى الاقتصادي العالمي ستارها مساء امس الجمعة بحصيلة متباينة حول نتائج اعمالها بعد 400 ندوة ناقشت على مدى اربعة ايام مواضيع تتعلق بشعار الدورة (التعايش في عالم متصدع).
واجمع المشاركون على ان “العولمة لم تكن عادلة في توزيع مكاسبها بين الجميع” ولكن سبل تصحيح هذا المسار كانت مختلفة وفق التصريحات التي ادلى بها كبار المتحدثين سواء من الساسة او صناع القرارات الاقتصادية او المفكرين.
وشددت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل على اهمية “عدم تخلي اوروبا عن افريقيا في مسارات التنمية المستدامة والتجارة العادلة كي تتمكن القارة السمراء من تجاوز ازماتها” التي عزتها ميركل الى “الماضي الاستعماري الاوروبي في القارة”.
واقرت ميركل بأن “الاتحاد الاوروبي لا يتمتع بالسيادة في سياساته الخارجية” ومن ثم لا يتمكن ايضا من المشاركة بفاعلية في صياغة حلول المشكلات الدولية سواء في السياسة او الاقتصاد في حين انه يتحمل الاعباء الناجمة عن فشل التعامل مع الملفات الدولية.
واتفق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في كلمته مع هذا الرأي مطالبا بتهيئة “ساحة مستقلة للسياسة الاوروبية الخارجية لمواجهة استئثار الولايات المتحدة والصين بصناعة القرار دوليا”.
في الوقت ذاته اعاد الرئيس الفرنسي التأكيد على الأزمة التي تواجهها العولمة وبين ان سبب ذلك هو عدم وصول ثمارها الى الطبقة المتوسطة التي ثأرت لنفسها عبر تشجيع تيارات اليمين السياسي المتشددة طمعا منها في اصلاح هذا الخلل.
ورأى ان الحل سيكون عبر المزيد من الاصلاحات الاقتصادية وتحفيز مسارات التجارة الدولية بما يضمن استمرار النمو الاقتصادي وتوزيع ايجابياته على الجميع مع الاهتمام بمسارات التعليم بما يواكب التغيرات التي يتطلبها سوق العمل.
ودعا رئيس وزراء كندا جوستين ترودو الى دعم صندوق شراكة عالمية لدعم التعليم في الدول النامية والاكثر فقرا حول العالم بصفته قيمة مهمة في بناء الفرد والمجتمع.
واعلن تبرع فرنسا بمبلغ 180 مليون دولار لدعم هذا الصندوق في الفترة ما بين عامي 2018 و2020.
من جهة اخرى اعلنت كندا تشكيل تحالف استراتيجي اقتصادي مع دول امريكا الجنوبية واخرى جنوب شرق آسيوية ليس من بينها الصين لتعديل مسار اتفاق الشراكة التجارية الذي كان قائما بين دول المجموعة ثم خرجت منه الولايات المتحدة.
ودعم قادة البرازيل والارجنتين هذا التوجه الذي سيأخذ خطوات عملية في الاشهر القليلة المقبلة ليخرج هذا التحالف الى النور في وقت لاحق من هذا العام مدشنا قطبا اقتصاديا جديدا يواجه السياسة الامريكية التي تتمسك بسياسة (امريكا اولا) وتتشكك في جدوى الشراكات متعددة الاطراف.
اما بريطانيا فقد قدمت نفسها هذا العام على لسان رئيسة وزرائها تيريزا ماي بأنها صاحبة الريادة في مجال الاقتصاد الرقمي شارحة استراتيجية بريطانيا بانها ستكون عماد الحركة التجارية في المستقبل معربة في الوقت ذاته عن استعدادها لتأسيس شراكة مع آخرين في هذا المضمار.
في المقابل قدمت الهند نفسها امام المنتدى كمثال على دولة تحولت من ضعف اقتصادي الى مكانة متميزة في الاقتصاد العالمي معربة عن ثقتها بقدراتها بأنها يمكن ايضا ان تساهم مع الآخرين في تطوير وتنمية السياسات التجارية الدولية التي تعم فوائدها على الجميع.
وشكل خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب النقطة الابرز في دورة هذا العام والذي ترقبته دوائر صناعة القرار السياسي والاقتصادي بشغف كبير لمعرفة ما وراء شعار (امريكا اولا) حيث حاول الرئيس الامريكي توصيل رسالة مفادها ان “امريكا اولا لا تعني امريكا وحدها”.
لكن الرئيس ترامب شدد على ان “مصالح الأمريكيين فوق كل اعتبار وان التعاون ممكن ولكن لخدمة الاقتصاد المحلي الداخلي في حين ان التعاون الدولي سيكون في مسارات مكافحة ما يعرف بالارهاب في الشرق الاوسط”.
وخلت كلمة الرئيس الامريكي من دور بلاده في المساعي الرامية لتعزيز التعاون الدولي في حماية البيئة وتعزيز اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وحل مشاكل الفقر والجوع والمرض في العالم ودعم الدول الأقل نموا في مسارات التنمية المستدامة “ما اصاب كثيرين بالاحباط”.
وعلى هامش اعمال المنتدى برزت مشكلات اخرى مثل الاخفاق في العولمة العادلة وعدم وأد الصراعات الجيو-سياسية قبل اندلاعها والفشل في علاجها في اسرع وقت اضافة الى الاخفاق الدولي في دعم مسارات التنمية المستدامة في افريقيا ما يؤدى الى تدفق موجات من المهاجرين الافارقة الى اوروبا.
وبينما ركزت الدول الصناعية الكبرى على المجالات المتاحة من خلال الثورة الصناعية الرابعة مثل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في الانتاج وفي قطاع الخدمات اعترفت تلك الدول بأن لديها مشكلات في العثور على العمالة المدربة للاستفادة الكاملة من تلك الامكانيات الهائلة.
وخلص المشاركون الى ان ترميم العالم المتصدع يحتاج الى “التعاون المكثف من اجل عولمة رحيمة يتساوى الجميع في الاستفادة من مكاسبها” وان التهاون في حل الصراعات الجيو-سياسية يلقي بظلاله على الجميع بلا استثناء بل ويمهد الطريق الى صراعات اعمق واوسع فيكون علاجها مستعصيا.
وأجمع المشاركون كذلك على ان تعدد الاقطاب في العالم لا يعني بالضرورة استقطابا وتناحرا بل انها افضل الفرص للتعاون المشترك فقطب واحد من تلك الاقطاب لا يستطيع وحده ان يحل كل المشاكل كما لا يستطيع ان يعيش بعزلة عن الآخرين.