بوتين يدشن حقبة سياسية جديدة في روسيا بعد فوزه بانتخابات الرئاسة
(كونا) — دشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرحلة سياسية جديدة في بلاده بفوزه الساحق في انتخابات الرئاسة وحصوله على 5ر76 في المئة من اصوات الناخبين.
واعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية امس الاحد وفقا لمعطيات نهائية فوز بوتين في الانتخابات بتصويت اكثر من 50 مليون ناخب فيما حصل منافسه مرشح الحزب الشيوعي الروسي بافل غرودينين على اقل من 12 في المئة.
ووفقا لهذه المعطيات حصلت مرشحة حزب المبادرة المدنية كسينيا سوبتشاك على 5ر1 في المئة يليها مرشح حركة (يابلكو) غريغوري يافلينسكي بحصوله على 9ر0 في المئة.
وتساوت نسبة الاصوات التي حصل عليها مرشح حزب النمو بوريس تيتوف ومرشح شيوعي روسيا مكسيم سورايكين حيث حصل كل منهما على 7ر0 في المئة تلاهما مرشح الاتحاد الشعبي لعموم روسيا سيرغي بابورين الذي حل في المرتبة الاخيرة بحصوله على 6ر0 في المئة من اصوات الناخبين.
وعلى العكس اظهرت نتائج الانتخابات النجاح النسبي الذي حققته تجربة الحزب الشيوعي الروسي في ترشيح شخصية رأسمالية وهو المليادير بافل غرودينين الذي حصد أصوات نحو 12 في المئة من اصوات الناخبين.
وعكست هذه النتائج العديد من المؤشرات التي يكمن اولها في ان الرئيس بوتين حصل على تفويض شعبي واسع النطاق بمواصلة نهجه السياسي والاقتصادي وان الشعب الروسي يدعم نهج السياسة الخارجية للكرملين الذي يرفض احادية القطب وسياسة الاملاءات وتصدير الديمقراطية حسب الطريقة الغربية واستعادة روسيا لمكانتها ونفوذها في الساحة الدولية.
وابرزت هذه النتائج كذلك ان الحزب الشيوعي الروسي المعارض يعتبر القوة السياسية الثانية في البلاد الامر الذي يستدعي اعارته مزيدا من الاهتمام وضمان انخراطه بصورة اكبر في صناعة القرار السياسي وبلورة النهج الاقتصادي للبلاد وعدم حصر وجوده في مجلس الدوما فقط.
وبددت هذه النتائج الآمال التي علقتها بعض الدوائر الغربية على القوى الليبرالية في روسيا وامكانية توسيع نفوذها في الشارع السياسي الروسي اذ لم يحصل ممثلو هذه القوى مجتمعة على ثلاثة في المئة من اصوات الناخبين ما يشكل نكسة خطيرة للنهج الليبرالي ورفض المجتمع الروسي للاطروحات والخطاب السياسي لهذا التيار الذي يراهن على دعم الغرب ويطرح شعارات يرفضها اغلبية المواطنين الروس.
وخلقت نتائج الانتخابات كذلك حقائق جديدة على الارض بات يتوجب على الرئيس بوتين على ضوئها القيام باجراء تعديلات جذرية في تركيبة الحكومة الروسية والتشاور مع القوى السياسية وخاصة الحزب الشيوعي والليبرالي الديمقراطي على اختيار رئيس حكومة جديد لا سيما وان بوتين تحرر من التزامه حيال حزب روسيا الموحدة الحاكم بعد ان قرر خوض غمار الانتخابات بشكل مستقل.
ويبدو جليا ان التعديلات التي اكد بوتين انها آتية بعد الانتهاء رسميا من مراسيم تولي ولايته الجديدة في مايو القادم ستشمل جميع المناصب الحكومية باستثناء وزارتي الخارجية والدفاع التي تشكل سندا اساسيا للرئيس بوتين في تنفيذ سياساته الدفاعية والدولية.
وعززت هذه النتائج مكانة بوتين على الساحة الدولية خاصة ان عملية الاقتراع جرت في ظل رقابة صارمة من قبل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومراقبين دوليين كثيرين اضافة الى ان حجم المشاركة الجماهيرية في الانتخابات أفشل رهان البعض على امكانية التشكيك بنتائجها وشرعيتها.
ويبدو ان بوتين سيعمل على ضوء هذه المعطيات على اضعاف التيار الليبرالي الذي يسيطر في القطاع الاقتصادي والمصرفي في روسيا وسيستعين بعناصر متشددة لمواجهة الضغوط المتزايدة وموجات العقوبات المتلاحقة التي تفرضها واشنطن على روسيا ومواجهة الازمة المتصاعدة مع بريطانيا.
كما سيعمل بوتين على استثمار المعطيات الانتخابية كذلك من اجل تعزيز الاوراق السياسية التي يتعامل بها مع الغرب خاصة بعد ان اظهر في الاول من مارس الجاري القدرات العسكرية الجديدة الهائلة لبلاده والتي جعلت من الدرع الصاروخي الامريكي المحيط بروسيا وتقدم هيكلية حلف شمال الأطلسي (ناتو) نحو الحدود الروسية مسألة عديمة الجدوى.
وعلى الرغم من ان اغلبية المراقبين يرون في عرض القدرات العسكرية الروسية العصرية تهديدا وانذارا الا انها تعتبر في نظر العديد من المراقبين في الوقت نفسه دعوة روسية موجهة للغرب للتفاوض من اجل بلورة منظومة امنية عالمية جديدة قائمة على اساس مراعاة الاحتياجات الامنية المتبادلة واحياء معاهدة الدفاع الصاروخي التي انسحبت منها واشنطن في عام 2002 بذريعة مواجهة التهديدات الصاروخية التي كانت تشكل ركنا اساسيا في منظومة التوازن الدولي ونزع السلاح.
كما ان المعطيات السياسية والدفاعية ستعزز رغبة بوتين في التفاوض مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من مواقع القوة من جهة ودفع بلاده للانتقال من دائرة ردود الافعال الى طرح مبادرات سياسية للخروج من حالة المواجهة والحرب الباردة وسباق التسلح الجديد الى مرحلة التطبيع والتعاون الاقتصادي والتجاري ورفع العقوبات بدون تقديم تنازلات سياسية مكلفة.
وربما يجد الغرب نفسه مضطرا للقبول بواقع التعامل مع روسيا في هذه الظروف خاصة وان العقوبات الاقتصادية والتجارية والبنكية ضد روسيا لم تعط ثمارها بل أدت الى خلق حالة التفاف جماهيرية قومية وطنية من قبل الروس حول قيادتهم التي يمثلها الرئيس بوتين.
ووفقا للمعطيات فان الاقتصاد الروسي يشهد حالة من النمو تقدر معدلاته خلال العام الجاري بين 5ر1 و2 في المئة وتقليص معدلات التضخم الى 3 في المئة وزيادة في الاجور والمعاشات بشكل دوري وتطوير في منظومات التعليم والرعاية الصحية وتفعيل سياسة الانتاج البديل التي تعني استبدال الاستيراد بالمنتوج الوطني.
واظهر الاقتصاد الروسي الذي توقعت الدوائر الغربية انهياره بعد تراجع اسعار النفط قدرة على التكيف مع الظروف الصعبة ولم تشهد البلاد ثورات او انقلابات او حالات تمرد مدني في اي من المدن والاقاليم الروسية.
وفي جميع الاحوال فان الرئيس بوتين يشعر انه بات في وضع يسمح له بمواصلة سياساته الرامية الى تعزيز مكانة روسيا واستعادة هيبتها والوقوف في وجه السياسة الغربية في الفضاء السوفيتي السابق والشرق الاوسط وغيرها من المناطق دون اي خوف من امكانية حدوث مواجهة واسعة النطاق مع الغرب الذي وجد نفسه امام حقائق جيوسياسية وعسكرية روسية جديدة.