قضية مسلمي الروهنغيا تحتاج إلى دعم إعلامي مستمر
قال محمد أوزتورك، رئيس تحرير النشرات الأجنبية بوكالة الأناضول، إن قضية مسلمي الروهنغيا في إقليم أراكان، بميانمار، تحتاج إلى دعم إعلامي مستمر، وإن الأنشطة التعريفية بقضية الروهنغيا تعتبر عاملا مؤثرا في التعريف بمأساتهم في أنحاء العالم، مشيرًا في هذا الصدد إلى أبرز المشاكل التي تواجه وسائل الإعلام في نقل الحقائق عما يتعرض له الروهنغيا من مآسي.
وأشار في كلمة ألقاها خلال مؤتمر أراكان الذي نظمته جمعية الحسنة في مدينة كولن بألمانيا، إلى دور وسائل الإعلام وأهمية عملها بطريقة موضوعية لتعكس التطورات في المنطقة وتلفت انتباه المجتمع الدولي إلى المشاكل التي يعاني منها إقليم أراكان.
وذكَّر أوزتورك بأبرز التصريحات الصادرة عن المنظمات الأممية بخصوص مسلمي الروهنغيا، حيث اعتبرت الأمم المتحدة الروهنغيا “الأقلية الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم”، واصفة الروهنغيا بـ”فلسطينيي جنوب شرق آسيا”.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن قضية أراكان هي أسرع أزمة لجوء في السنوات الأخيرة، ودولة ميانمار ترتكب أفظع أشكال التطهير العرقي من خلال سلوكها مع أقلية الروهنغيا.
كما ذكر أوزتورك ببيانات هيومان رايتس ووتش التي شددت على أن حكومة ميانمار تدير حملة تطهير عرقي ضد الروهنغيا، وبتصريحات كبار المسؤولين في المملكة المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي أكدت “وجود دلائل قوية بوقوع عمليات إبادة جماعية” في إقليم أراكان، فيما رأى مجلس الروهنغيا الأوروبي أن ما يحدث هو “عملية إبادة جماعية بطيئة”.
وتابع أوزتورك: “في الواقع، فإن مسلمين الروهنغيا تعرضوا خلال أعوام 1942، و1947، و1954، و1978 لمجازر يندى لها جبين الإنسانية حيث قتل عشرات الآلاف منهم، وأجبر مئات الآلاف على الهجرة. ولكن مع حلول عام 2012، اكتسبت هذه “الإبادة الجماعية” زخمًا أكبر. فالأحداث التي شهدتها المنطقة خلال عامي 2016 و2017 أظهرت مساعي دولة ميانمار لتسريع “الإبادة الجماعية”.
ولفت أوزتورك إلى أن دولة ميانمار قامت بتسريع عملية الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهنغيا وتهجيرهم من أرض أجدادهم، بحجة تعرض بعض قوات الأمن لهجمات. وقال: “في اليوم التالي من نشر تقرير كوفي عنان (المبعوث الأممي السابق إلى ميانمار) حول أراكان، أي يوم 25 أغسطس/ آب 2017، ظهرت مزاعم بتعرض قوات الأمن في ميانمار لهجمات وبدأ الجيش والمليشيات البوذية المتطرفة بشن حملة تطهير وإبادة جماعية ضد المدنيين”.
وفي معرض حديثه عن المشاكل التي تواجه وسائل الإعلام فيما يتعلق بإيصال صوت الروهنغيا والأحداث المتعلقة بهم للعالم، والمسائل التي ينبغي القيام بها حيال ذلك، أوضح أوزتورك أن المسألة تقوم على ثلاثة ركائز أساسية، وهي مناطق الروهنغيا في ميانمار ومخيمات النازحين في الداخل، واللاجئين القدامى والجدد الذي يعيشون في مخيمات اللجوء التي أقيمت في بنغلاديش وروهنغيا الشتات.
وحول الصعوبات التي تواجه عمل الصحفيين في ميانمار أوضح أوزتورك أن هناك قدرا كبيرا من الضغط على الصحفيين، مشيرًا أنه ينبغي على الصحفيين الراغبين بالذهاب إلى المناطق التي شهدت عمليات إبادة ضد الروهنغيا، استخراج تصريح بالعمل الصحفي من قبل السلطات في ميانمار، وهذا التصريح إما لا يتم منحه أبدًا أو أن إجراءات استخراجه صعبة للغاية، وباختصار فإن الأحداث في المنطقة تتعرض لعملية تعتيم كبيرة.
وتابع: “نستطيع الحصول على معلومات حول الأحداث التي تجري في المنطقة، بقدر المعلومات المسربة من قبل نظام ميانمار، أو عبر التقارير المعدة في ظروف محدودة وصور الأقمار الصناعية، فيما تبقى مصادر الأخبار الصحفية محدودة وغالبا ما تتعرض للتلاعب من قبل نظام ميانمار، في ظل تعرض الصحفيين لاعتقالات تعسفية”.
وحول وسائل الإعلام المحلية، أوضح أوزتورك أن مصادر الأخبار داخل ميانمار تتعرض لضغوط ممنهجة ومخاوف أمنية، فضلًا عن خوف المدنيين من التحدث أمام عدسات الصحفيين، فيما لا يرغب أصحاب وسائل الإعلام المجازفة بمصالحهم ويخشى الصحفيون من المخاطرة بحياتهم والخوض في قضايا تعتبر حساسة من قبل الدولة، لاسيما وأن العديد من الصحفيين الاستقصائيين الذين نقلوا أخبارًا عن المنطقة تعرضوا للطرد من أعمالهم وخصوصًا في الفترة ما بين 2016-2017.
أما الصحفيون العاملون في وسائل الإعلام الأجنبية، “فيتم دفعهم نحو الشعور بالإحباط من خلال عدم إعطائهم تأشيرات الدخول إلى ميانمار،كما أن من ينجحون في الحصول على تأشيرة دخول سيجدون أنفسهم أمام صعوبات ومعوقات لا تنتهي للحصول على تصريح من أجل دخول أراكان، لذلك يقوم معظم الصحفيين بالتوجه إلى بنغلاديش للوقوف على شهادات الروهنغيا، في ظل الإجراءات الصارمة التي تتبعها حكومة ميانمار والمتعلقة بعدم السماح لوسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الدولية بدخول المنطقة”، يوضح اوزتورك.
وأضاف أوزتورك أن بنغلاديش تستضيف منذ سنوات عديدة عددًا كبيرًا من اللاجئين تجاوزت أعدادهم في الآونة الأخيرة المليون نسمة، لكنها لا تريد بناء منازل للاجئين كي لا تتحول إقامتهم إلى إقامة دائمة على أراضيها، فيما يعاني اللاجئون من عدم وجود الكهرباء أو الإنترنت الذي يتيح التواصل وكذلك المياه الصالحة للشرب في مخيمات اللجوء البعيدة عن مراكز المدن.
وأشار أوزتورك أن مشكلة اللغة تمثل أحد أهم العوائق التي تصعّب عملية التفاهم مع اللاجئين الروهنغيا في المنطقة، حيث أن هناك عدد قليل من الناس ممن يجيدون الإنكليزية ولغة الروهنغيا في نفس الوقت، بالإضافة إلى ذلك، فإن الروهنغيا يعانون تحت وطأة حياة تفتقر إلى أبسط الاحتياجات مثل المدارس والمستشفيات، لذلك يرفض الكثير منهم غالباً الحديث أمام عدسات الكاميرات وهذا يخلق مشكلة في التحقق من المعلومات والصور.
وحول الروهنغيا في الشتات، أوضح أوزتورك أن أكبر مشكلة تواجههم هي عدم إيلائهم الاهتمام اللازم من قبل وسائل الإعلام، مشددًا على ضرورة إبقاء قضية الروهنغيا حيّة على أجندة وسائل الإعلام، ومحاولة فهم هذا الشعب بطريقة أكثر موضوعية، والسماح للصحفيين بدخول المنطقة وإجراء أبحاثهم الاستقصائية الخاصة، وضمان تدفق موثوق للأخبار فيما يتعلق بالمتابعة الأفضل والاستجابة في الوقت المناسب، واستخدام منصات وسائل الإعلام الحديث بشكل فعال، وإتاحة الإمكانية أمام المراقبين المستقلين للسفر إلى المناطق التي تشهد عمليات إبادة جماعية.
وأكّد أوزتورك أن وكالة الأناضول تبث أخبار مسلمي الروهنغيا بـ 13 لغة، وتبقي قضيتهم قائمة بشكل دائم على أجندتها، وقد تمكنت منذ 2012 من إدخال صحفييها إلى المنطقة، فيما استطاع العديد من مراسليها السفر إلى بنغلاديش اعتبارًا من 25 أغسطس/ آب 2017، للوقوف على أوضاع اللاجئين هناك.
وتابع أوزتورك: “ومع ذلك، يبدو أنه من الحتمي تبني سياسة ذات شقين لحل المشكلة بشكل جذري. الشق الأول هو دولة ميانمار والمسلمون “المحرومون من الجنسية” في الداخل. أما الشق الثاني فهو “الحالة الإنسانية التي يعيشها طالبو اللجوء، وهنا لا بد من التأكيد على أن قضية الروهنغيا هي مسألة إنسانية يجب إدراجها وبقوة على الأجندة العالمية، ووضع العالم كله على المحك، وإخراجها من إطار مجرد خطاب كراهية مبني على أساس الدين”.
وحث أوزتورك على ضرورة استخدام الوسائل الدبلوماسية ووسائل القوة الناعمة في التعامل مع ميانمار، كما شدد على ضرورة بذل الجهود الحثيثة لإعادة اللاجئين والمحافظة على قنوات الاتصال مفتوحة مع حكومة ميانمار بغية تحقيق هذا الهدف، واستخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على حكومة ميانمار والجيش لدفعهما نحو تغيير مواقفهما، ووضع خطط دولية لحفظ أمن الروهنغيا وتدويل قضيتهم.
ونوه إلى أهمية التفاهم وإقناع حكومة ميانمار بهدف ايجاد حل نهائي للمشكلة، وقد أعطت تركيا مثالًا مهمًا في هذا الصدد، حين أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالًا هاتفيًا مع زعيمة ميانمار أونغ سان سوتشي، تمكن على إثره من إرسال منتسبي وكالة التنمية والتنسيق التركي (تيكا) إلى ميانمار لتقديم المساعدة والدعم في الداخل.
وحول النازحين والمهجرين الروهنغيا داخل ميانمار، أوضح أوزتورك أنه استنادًا إلى ما ورد في تقرير عنان ذي الصلة، ينبغي الحؤول أمام تحول الروهنغيا إلى مهاجرين في وطنهم، وضمان عودتهم إلى أوطانهم. فيما اعتبرت حكومة ميانمار أن تقرير عنان يمكن أن يشكل أساسًا للحل؛ وإن البدء بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير سوف يريح المسلمين نوعًا ما.
وشدد أوزتورك على ضرورة إطلاق مبادرات أخرى تهدف إلى فضح المتهمين الرئيسيين في الانتهاكات التي ارتُكبت ضد الروهنغيا كرئيس هيئة أركان الجيش، والزعيم الديني البوذي، والسعي لمعاقبتهما على المستوى الدولي، دون إعطاء القضية بعدًا دينيًا.
وفيما يتعلق باللاجئين أكد على ضرورة مواصلة إدخال المساعدات الإنسانية المستدامة والتضامن على المدى الطويل مع مسلمي أراكان، حيث يوجد أكثر من مليون ونصف روهنغي مهجَّر من ميانمار؛ يعيش بعضهم في مخيمات ذات إمكانيات شحيحة منذ أجيال وقد حُرِموا من أبسط احتياجاتهم الأساسية. مضيفًا: “إن هؤلاء اللاجئين يحتاجون إلى إعادة تأهيلهم وتلبية ظروفهم الإنسانية، لأنهم لا يعرفون إلى متى سيبقون في مخيمات اللجوء”.
ودعا أوزتورك إلى تقاسم العبء مع بنغلاديش التي تحتضن مئات الآلاف من طالبي اللجوء وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل وتلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين من غذاء وصحة وتعليم وخلق فرص للعمل، مؤكدًا على ضرورة الاستفادة من التجربة التركية وطريقة تعاملها مع اللاجئين السوريين، إضافة إلى الجهود والأنشطة التي نفذتها تركيا بهف مساعدة اللاجئين السوريين على أراضيها وفي سوريا وتحسين ظروفهم الإنسانية وتأمين احتياجاتهم الأساسية.