إخراج إيران من سوريا يتطلب تعاون إسرائيل وأمريكا مع بوتين
رأى زئيفي باريل، مراسل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن إخراج إيران من سوريا يستلزم تعاون إسرائيل والولايات المتحدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ حيث أن استراتيجية روسيا باتت الآن الضمان الرئيسي لمنع الحرب بين إيران وإسرائيل، ولكن الإشكالية تكمن في ما إذا كانت طهران ستبقى على وفاق مع موسكو.
واعتبر باريل أن تصريحات بوتين خلال الأسبوع الماضي بشأن إخراج القوات المسلحة الأجنبية من سوريا في ضوء بدء العملية السياسية قد أثارت ضجة، وتم رسم المشهد بعناية؛ إذ التقى بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في التاسع من شهر مايو (أيار) الجاري، وبعد خمسة أيام التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نظيره الروسي سيرغي لافروف، وعقب ذلك تم استدعاء الرئيس السوري بشار الأسد في السابع عشر من مايو (أيار) إلى سوتشي لسماع ما وافق عليه بوتين.
خروج إيران من سوريا
ويقول باريل: “من المفترض أن الجميع وافق على أن القوات الأجنبية ستغادر سوريا، ولكن حضور الأسد كان يستهدف بشكل أساسي تلقي التعليمات والمهام التي يتعين عليه تنفيذها من أجل دفع تحركات روسيا، وتتضمن تلك المهام تعديل الدستور السوري لضمان حصول الجماعات العرقية على المزيد من الحقوق والتمثيل السياسي، وبناء على ذلك سيقوم وفد من القضاة الروس بزيارة دمشق قريباً لمساعدة الأسد على صياغة التعديلات الدستورية”.
وبحسب مراسل “هآرتس”، فإن المهام المكلفة لبشار الأسد شملت أيضاً زيادة الاستثمار الروسي في إعادة إعمار سوريا من خلال منح الشركات الروسية الأولوية في إدارة مشاريع إعادة الإعمار، فضلاً عن خفض الوجود الإيراني في سوريا، وهو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى إسرائيل.
وينقل مراسل الصحيفة الإسرائيلية عن مصادر دبلوماسية أن بوتين قد أوضح للأسد حتمية تقليل مخاطرة اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران في سوريا، ولكن من غير الواضح ما إذا كان بوتين قد منع الأسد من إقامة قواعد صاروخية لإيران في سوريا، ويمكن اعتبار تصريحات بوتين بشأن مغادرة القوات العسكرية الأجنبية من سوريا بمثابة إشارة واضحة لإيران للاستعداد لسحب قواتها، بيد أن المتحدث باسم بوتين قال إن المقصود بذلك “الدول التي يتعارض وجودها العسكري في سوريا مع القانون الدولي”، وهذا يعني الولايات المتحدة وتركيا لا إيران وروسيا، وبدوره صرح دبلوماسي إيراني أنه: “لا يمكن لأحد إجبار إيران على فعل أي شيء ضد إرادتها”.
الخطة الروسية
ويشير مراسل “هآرتس” إلى أن الخطة الروسية لا تطالب بالانسحاب الفوري للقوات الأجنبية (الإيرانية والتركية والأمريكية) ولكنها تشير إلى عملية تبدأ مع استئناف المحادثات بين المعارضة ونظام الأسد، وسوف يتفق الطرفان على شروط المصالحة أو بالأحرى الاستسلام. وإذا نجحت هذه المرحلة، سيتم تشكيل حكومة انتقالية للإعداد للانتخابات، وبعدها ستتم مناقشة انسحاب القوات الأجنبية.
وإذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تتوقعان من إيران سحب قواتها من سوريا، كما طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنه يتعين عليهما، برأي المراسل، دعم الخطة الروسية والتطلع إلى نجاح بوتين في فرض إرادته على الميليشيات التي لا تزال ترفض حتى الآن غالبية مقترحات المصالحة الروسية. والواقع أنه لم يعد هناك اعتراض من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران على بقاء بشار الأسد في السلطة؛ لأنهم متفقون على أن لا بديل واقعياً له على رغم تسببه بقتل نصف مليون شخص، كما يدركون أيضاً أن لا بديل عن التحركات الدبلوماسية الروسية التي سيتعين عليهم دعمها في الأمم المتحدة في نهاية المطاف.
صفقات عقارية لروسيا وإيران
وفي الوقت الراهن تطالب روسيا بتنفيذ هذه التحركات من دون عائق، وضمان عدم قيام إسرائيل والولايات المتحدة بشن حملة ضد إيران في سوريا لأن ذلك من شأنه أن يقود إلى تعطيل المبادرة الروسية بشكل خطير.
ويقول تقرير هآرتس: “في الأسابيع الأخيرة ، حققت روسيا انتصاراً لنظام الأسد في منطقة الغوطة الشرقية، وساعدته في الاستيلاء على مخيم اليرموك للاجئين في جنوب دمشق، أو بالأحرى ما تبقى منه. وقامت قوات داعش الباقية في المخيم بتوقيع اتفاق انسحاب وتم طردها إلى الصحراء قرب حمص، بينما توجه القليل من الفلسطينيين والمدنيين السوريين الذين كانوا في المخيم إلى الشمال في قوافل. ودمّر المخيم بالكامل تقريباً. وتظهر لقطات أنه لم يبق منزل واحد في المكان الذي كان موطناً لمئات الآلاف”.
وتحدث التقرير عن سلب ونهب كل الأثاث والأشياء الأخرى المتروكة في أنقاض مخيم اليرموك من قبل قوات نظام الأسد، كما حدث من قبل في حلب والغوطة، وباتت عملية السلب والنهب مصدراً للدخل بالنسبة لجنود النظام والميليشيات، وسوف تنضم اليرموك، وغيرها من المدن السورية مثل درعا، إلى قائمة الأصول العقارية التي سيتم تجديدها من قبل الشركات الروسية أو الإيرانية كجزء من عملية التعويض عن المساعدات الاقتصادية المقدمة إلى سوريا.
هندسة الديموغرافيا الجديدة
ويواجه سكان تلك المدن (الذين فروا ويرغبون في العودة) مفاجأة سيئة؛ حيث أقر نظام الأسد قانوناً ينص على أنه على مالكي العقارات تقديم مستندات في غضون شهر واحد من نشر القانون لإثبات ملكيتهم إذا كانوا يريدون إعادة بناء منازلهم أو استعادة أراضيهم. وفي الوقت نفسه لا يتم السماح لهؤلاء السكان بالعودة إلى المدن، ومن ثم فإنه لا يمكنهم تقديم أي مستندات، وإذا فشلوا في إثبات ملكيتهم، فإن نظام الأسد يمكنه مصادرة ممتلكاتهم.
ويحذر تقرير الصحيفة الإسرائيلية من احتمالية توطين نظام الأسد وإيران السكان الشيعة من العراق، لأن مثل هذه التغيرات الديموغرافية ليست جديدة على سوريا، فقد انتقل السكان العرب إلى المناطق التي كان يقطنها الأكراد في السابق، واستقرت قرابة 300 أسرة عراقية في سوريا خلال عام 2016، ومن المتوقع الآن أن يحل الآلاف محل السكان الأصليين.
وفي الأيام الأخيرة، كشفت وسائل التواصل الاجتماعي السورية أن القوات العربية التي تشارك الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تعتزم العودة إلى جيش النظام السوري، وتعد هذه الخطوة جزءاً من التحرك الروسي لتدمير ميليشيات المعارضة من خلال الاتفاقيات المحلية من أجل تقويض اعتراضها على العملية الدبلوماسية.
مكاسب بوتين
ويلفت تقرير “هآرتس” إلى أن روسيا قد حققت إنجازات كبرى في غضون فترة قصيرة نسبياً منذ تدخلها في الحرب السورية منذ عامين ونصف عام ومنها: إخراج الولايات المتحدة من الساحة السورية وإنقاذ نظام الأسد الذي استعاد معظم البلاد، كما دفعت إيران بعيداً عن قطاع الأعمال الإستراتيجي، واحتكرت إدارة العملية الدبلوماسية في سوريا، ويتطلب منها الحفاظ على كل هذه الانجازات تسريع العملية الدبلوماسية وفرض الأمر الواقع من أجل انجازها.
ويعتبر التقرير أن استراتيجية موسكو باتت الآن الضمان الأكثر أهمية لمنع اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل في سوريا يمكن أن تتطور إلى صدام بين طهران وأمريكا. ولكن تكمن الإشكالية في ما إذا كانت إيران ستظل على وفاق مع روسيا التي تطالبها بسحب قواتها من سوريا، وإذا قررت إيران التراجع فعلا، فكيف يمكن أن يبدو ذلك كجزء من التنسيق مع روسيا وليس استسلاماً للمهلة الأمريكية؟ وكيف يمكن لإيران حماية مصالحها في سوريا ولبنان من دون الحفاظ على وجود عسكري إيراني في سوريا؟
ويختتم التقرير: “يبدو أنه يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة التعاون مع روسيا وخفض التوقعات بشأن طهران على الأمد القصير من أجل إخراجها من سوريا على الأمد المتوسط”.