ماكرون يستنهض الفرنسيين لإنقاذ التراث
استنهض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفرنسيين أمس الخميس، لإنقاذ مئات العمارات التاريخية المعرضة للخطر في أنحاء البلد كافة، من خلال سلسلة من التدابير أبرزها سحب يانصيب جديد تخصص مبيعات بطاقاته لصون التراث.
وأكد رئيس الجمهورية أمام نحو 500 شخص من المعنيين بالحفاظ على التراث اجتمعوا في الإليزيه أن “التراث قضية وطنية”.
وأضاف أمام أصحاب المشاريع الـ 270 المختارة في إطار هذه العملية التي تولاها المقدّم التلفزيوني الشهير ستيفان برن المعروف بشغفه بالتاريخ “عندما نتكلّم عن التراث، نتكلّم عن هوية بلدنا وهو بالتالي ملك لنا كلّنا”.
وكان الرئيس الفرنسي قد بدأ يومه هذا المخصص “لحشد الدعم” للتراث بزيارة قصر الفيلسوف فولتير (1694-1778) الذي أنجز ترميمه للتو في بلدة فيرنيه-فولتير على الحدود بين فرنسا وسويسرا.
وأكد ستيفان برن من جهته، أن “التراث هو كنز ثمين فعلاً” وبفضله باتت فرنسا “البلد الذي يستقبل أكبر عدد من السياح في العالم، مع نحو 89 مليون زائر” في السنة الواحدة.
غير أن مقدم البرامج التاريخية الذي أشاد ماكرون بـ “قدرته على الإقناع”، بادر إلى الإعراب عن حزنه العميق “لرؤية حال الكثير من العمارات المهملة خصوصاً بسبب نقص الموارد. وهو أكد أن “المشهد الريفي” بحدّ ذاته بات على المحك “لأن 50% من العمارات التراثية تقع في بلدات لا يتخطى عدد سكانها ألفي نسمة”.
قضية كبرى
والهدف من هذه المبادرة حشد المواطنين على نطاق واسع للمشاركة في سحب يانصيب وقسائم حظ من المزمع إطلاقهما في نهاية الصيف لتمويل ترميم هذه المعالم.
وسيجرى هذا السحب الذي من المقرر اعتماده بوتيرة سنوية، بحسب ماكرون، في 14 سبتمبر (أيلول)، عشية عطلة نهاية الأسبوع المخصصة للتراث. وتبلغ الجائزة الكبرى فيه 13 مليون يورو.
أما لعبة الحظ المؤلفة من قسائم تُحك، فهي ستطلق في 3 سبتمبر (أيلول) مع جائزة كبرى قدرها 1.5 مليون يورو هي الأعلى لمكافأة من هذا القبيل.
وصرح المدير التنفيذي لهيئة اليانصيب الفرنسية، ستيفان باليه، أن هذه العائدات “الاستثنائية” ستصب في مصلحة “قضية كبرى” ألا وهي التراث.
وستحمل قسائم الحظّ البالغ عددها 12 مليون تذكرة رسماً لـ13 موقعاً من المواقع الـ18 المختارة في سياق مشروع “التراث المعرض للخطر”، وستباع الواحدة منها بسعر 15 يورو.
وتقدّر الهيئة الفرنسية عائدات هذه المبيعات بما ما بين 15 و20 مليون يورو وهي ستخصص لصندوق “التراث المعرض للخطر”.
حاجات هائلة
وقد أوضح ستيفان برن أن هذا المبلغ “ليس سوى قطرة ماء في محيط”، لكنه “يجعل الفرنسيين يدركون أن التراث ملك لكلّ واحد منهم، ما يدفعهم إلى المشاركة”.
والحاجات هائلة فعلاً، إذ “يستلزم إنقاذ المعالم المقدر عددها بحوالى ألفين بحسب مهمة برن، ما يقرب من ملياري يورو”، على حد قول رئيس جمعية التراث، غييوم بواترينال.
وقد خصصت الدولة الفرنسية لعام 2018 حوالى 326 مليون يورو لصون التراث، وهو مبلغ “أعلى بـ 5 % من السابق”، بحسب وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسن التي أشارت إلى أن “6 آلاف معلم يحظى كل سنة بعمليات ترميم”.
والمعالم الـ18 المختارة في إطار مبادرة سحب اليانصيب تعكس نواحي مختلفة من التراث، الدينية منها والصناعية والهندسية. وهي تشمل منزل الكاتب الرحال بيير لوتي في روشفور (جنوب غرب) والشاعر ايمه سيزير في فور-دو-فرانس في الأنتيل الفرنسية.
وقال ماكرون خلال زيارة قصر فولتير الذي رممته الدولة في مقابل 9 ملايين يورو “لا شك في أن فولتير كان ليسعد كثيرا برؤية القصر في هذا الحال”.
وكان الفيلسوف الفرنسي قد عزز في هذه العمارة التي رممها اعتباراً من 1758، فهو قد استقبل فيها كبار المفكرين الأوروبيين وكتب فيها حوالى 6 آلاف رسالة وصاغ خصوصاً رسالته في التسامح.