المقاطعة في المغرب تنذر بتعديل حكومي وتهدد علاقة المال والسلطة
ما تزال عاصفة حملة مقاطعة بعض المنتجات والمواد الغذائية بالمغرب، تتسبب في تداعيات سياسية، بعدما انعكست سلبا على أرباح الشركات المعنية.
فمنذ 20 أبريل الماضي، تتواصل في المغرب حملة شعبية، لمقاطعة منتجات ثلاث شركات في السوق المحلية، تبيع الحليب والماء والوقود.
وتستهدف الحملة غير المسبوقة، شركة لبيع الوقود يمتلكها وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، وشركة للمياه المعدنية تمتلكها مريم بنصالح، الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب (أكبر تجمع لرجال الأعمال المغاربة).
كذلك، تستهدف الحملة شركة فرنسية للحليب؛ ويطالب المقاطعون بخفض أسعار هذه السلع إلى ما يرون أنها مستويات “عادلة” تتناسب والقدرة الشرائية للمواطنين.
تداعيات سياسية
أثار الوزير المغربي المنتدب المكلف بالحوكمة والشؤون الاقتصادية، لحسن الداودي، غضبا واسعا؛ جراء مشاركته في وقفة احتجاجية لعمال شركة الحليب المعنية بالمقاطعة.
وعقب هذه المشاركة، طلب الداودي، الأربعاء الماضي، إعفائه من منصبه.
ووفق الخبير السياسي، محمد شقير، فإن الحملة “تشكل حركة احتجاج جديدة في تاريخ الاحتجاجات بالمغرب”.
وأضاف شقير للأناضول، أن “اعتماد حملة المقاطعة على منصات التواصل الاجتماعية أدى إلى نوع من الارتباك، سواء داخل الحكومة أو الشركات الثلاث المستهدفة”.
وأشار إلى أن المقاطعة بجانب طابعها الاقتصادي، كانت لها “رمزية سياسية”، من خلال الشركات المستهدفة والمملوكة لشخصيات تجمع بين المال والسياسة.
وزاد: “الطابع السياسي لحملة المقاطعة، يتمثل أساسا في استهداف شركة إفريقيا غاز للمحروقات، المملوكة لعزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك في الائتلاف الحكومي)، وهو من أثرياء البلد”.
وتابع: “لا ننسى أن أخنوش كان الشخصية المحورية التي أدت إلى الانقلاب على رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران”.
ومثل أخنوش أحد مفاتيح تشكيل الحكومة، خاصة أنه رهن مشاركته بالاستجابة لشروط، منها عدم إشراك حزب الاستقلال المعارض، وإدخال حزبين آخرين في الحكومة.
وهي الشروط التي رفضها بنكيران، فتم إعفاؤه، وشكل سعد الدين العثماني الحكومة بشروط أخنوش.
تعديل حكومي
شقير، اعتبر أن الوضع الاجتماعي في المغرب يجعل من الوارد أن ينجم عن مضاعفات الحملة تعديل حكومي، يتضمن الإطاحة بوزراء، منهم وزير المالية، محمد بوسعيد، الذي نعت المقاطعين بالمداويخ (المعتوهين)، ما أجج المقاطعة”.
وتوقع أيضا، إمكانية “الاستغناء عن وزير الفلاحة، عزيز أخنوش”، خاصة في ظل استمرار حملة المقاطعة”.
واعتبر أن حدوث هذا السيناريو سيشكل “زلزالا سياسيا ثانيا يضرب حكومة العثماني، بعد إعفاء أربع وزراء على خلفية أحداث الحسيمة”.
ومنذ أكتوبر 2016 وحتى منتصف العام الماضي، شهدت مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف (شمال) احتجاجات شعبية للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، وفق المحتجين.
ولفت شقير إلى وجود ترقب لذكرى عيد العرش، الذي يصادف 31 يوليو كل عام، حيث إنه في حال استمرار حملة المقاطعة يمكن أن يتخذ الملك إجراءات، بينها تعديل حكومي.
زواج المال والسلطة
من التداعيات السياسية الكبرى أيضا لحملة المقاطعة، إعادة فتح النقاش حول زواج المال والسلطة، وارتفاع الأصوات المنادية بالفصل بينهما.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة عبد الملك السعدي بطنجة، العمراني بوخبزة، إنه “من الصعب الحديث عن الاتجاه نحو فصل السلطة عن المال في المغرب، لاعتبارات متعددة، أبرزها أن الممارسة السياسية مرتبطة في شق كبير منها بجانب المال”.
وأضاف “بوخبزة” للأناضول، أن “شعار الفصل بين السلطة والمال برز في إطار التحول الذي حدث بعد حركة 20 فبراير 2011 (النسخة المغربية من الربيع العربي) وتم طرح هذا الشعار بشكل كبير”.
وتابع أنه كلما كان التوجه نحو المزيد من الديمقراطية في المغرب، كلما تعمق النقاش حول علاقة السلطة بالمال.
ورأى أن ما ساهم في طرح الموضوع للنقاش بشكل أوسع وأكبر، هو استهداف حملة المقاطعة لأخنوش، “لأنه ولج عالم السياسة قادما من مجال المال ورجال الأعمال، وإذا لم يدخل السياسة لكان بمنأى عن المقاطعة وتبعاتها”.
واعتبر “بوخبزة” أن النقاش الدائر “صحي بالنسبة للدولة والمجتمع.. والتحولات الكبرى في البلاد دائما تبدأ بطرح الملفات للنقاش، ثم إعمال مخرجات هذا النقاش”.
وختم بأن “النقاش المثار حول مسألة الجمع بين المال والسلطة قد يفضي إلى إحداث حولات تمهد لاعتماد إجراءات وخطوات نحو فك الارتباط بين السلطة والمال”.