المكتبات العامة بالكويت.. هل يقصيها التطور التكنولوجي والمكتبات الرقمية؟
«كونا»: في خضم التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية وفي إطار الانفتاح الذي يعيشه العالم وظهور المكتبة الرقمية بات مستقبل المكتبات العامة في الكويت مجهولا ما لم تتخذ إجراءات فعالة لمواكبة حركة التطور الثقافي الذي يطرأ على حياة الأفراد والمجتمع.
ومع عصر التطور التكنولوجي لم تعد المكتبات العامة ببنيتها الحالية مراكز جاذبة للقراءة وتعزيز الثقافة ما لم تعمل على تحديث بنيتها وكتبها وإصداراتها وربط موجوداتها مع شبكة المعلومات لإتاحة الفرصة لجمهورها الدخول الى مواقعها والإفادة من مصادرها.
ولعل القيمة المعنوية اصبحت المبرر الوحيد لبقاء المكتبات التي أنشئ بعضها في الكويت عام 1923 وذلك في ضوء تراجع دورها الثقافي وانحسار القراءة بعدما كانت تؤدي دورا مهما في حمل مشعل الثقافة والاعداد لارضية خصبة للانطلاق نحو مرحلة النهضة والبناء في البلاد وخلق جيل واع مزود بسلاح العلم والمعرفة.
وكانت (المكتبة الأهلية) أول نقطة تحول ثقافي في البلاد بعد إنشاء عدد من المدارس التعليمية مثل (المدرسة المباركية) و(المدرسة الاحمدية) اذ عملت على نشر وترسيخ مفهوم الثقافة في مختلف المراحل العمرية بهدف ايجاد مجتمع متعلم ومثقف يبحث افراده عن العلم والمعرفة وغرس تلك المفاهيم وحب القراءة والاطلاع والبحث في عقول اجيال المستقبل.
وسعت المكتبة منذ تأسيسها الى تطوير فكر المجتمع وثقافته من خلال توفير مصادر المعرفة بمختلف علومها وآدابها وفنونها وتوعية المجتمع الكويتي بأهمية الحفاظ على تراثه الحضاري والثقافي اضافة الى توليد دوافع ذاتية ورغبة تلقائية في متابعة مصادر الثقافة العلمية والنهل منها.
ومع بروز دور (المكتبة الأهلية) في عصر النهضة ظهرت العديد من المكتبات العامة التي سارت على نهجها الثقافي ما جعل الكويت مع مرور الأيام صرحا حضاريا وثقافيا يشار اليه بالبنان على مستوى الوطن العربي.
وقدمت تلك المكتبات الأهلية المنتشرة في الأماكن العامة في البلاد لروادها العديد من الأنشطة الثقافية وجميع الوسائل التي تعين المواطن على كسب المعرفة والإلمام بالثقافة العامة نظرا لاحتوائها على مجموعة من المراجع والكتب والوثائق والدوريات العامة والنشرات والصحف والمجلات التي تشجع المواطنين على القراءة.
غير ان دورها هذا سرعان ما تقلص الى حد كبير في ضوء الثورة التكنولوجية (المعرفية والمعلوماتية والكمبيوترية) وإنشاء العديد من النخب المثقفة لمكتبات خاصة تمتلك اسلوبا عصريا في نشر وتسويق كتبها وجذب اكبر شريحة في المجتمع ما جعل اروقة المكتبات الأهلية «شبه فارغة» من القراء وطلبة العلم والبحث.
وفي هذا الإطار اجرت وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس لقاءات مع عدد من المتخصصين للتعرف على أسباب عزوف الشباب عن القراءة وارتياد المكتبات العامة لاسيما في ضوء انتشار المكتبات الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي والانترنت.
وقالت نائبة امين (مكتبة الفيحاء) العامة فاطمة العرادة «إن هدف المكتبات العامة هو تشجيع الأفراد في المجتمع على المطالعة والتعليم الذاتي واسناد المؤسسات التعليمية في إكمال رسالتها السامية الا ان ذلك تقلص الى حد كبير ولم يتمكن بعض منها من تحقيق جميع أهدافها لأسباب عدة أهمها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي».
واضافت «ان بعضا من المكتبات ومنها (مكتبة الخالدية) حققت نسبة لا بأس بها من الأهداف السامية بفضل موقعها الجغرافي وما تزخر به من كتب متنوعة وخدمات كثيرة شجعت الكثيرين على التردد اليها».
وذكرت العرادة ان «وسائل التواصل الاجتماعي اثرت بشكل كبير على الدور الذي تؤديه المكتبة العامة اذ وفرت الجهد والوقت على معظم رواد المكتبات من طلبة وباحثين ومثقفين للوصول الى المعلومة سريعا».
واوضحت ان الفئة الأكثر ترددا حاليا الى المكتبات العامة هي فئة الأدباء والكتاب داعية الجهات المعنية في الدولة الى إيجاد طريقة ناجعة لاحياء دور المكتبات والمساعدة على جذب الأشخاص ومنافسة مواقع التواصل الاجتماعي.
واكدت استعداد المكتبة لدعم جميع الفعاليات التربوية والثقافية ولاسيما زيارة طلاب المدارس وتوفير المكان المناسب لعقد الاجتماعات والندوات مبينة ان هناك مكتبات عامة تهتم بنشر وترسيخ الجانب الثقافي لدى الاطفال مثل (مكتبة العارضية) و(مكتبة كيفان).
واشارت الى ان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدأ بعد تسلمه إدارة المكتبات العامة من وزارة التربية بتعديل واستكمال النواقص في تلك المكتبات الا ان دوره يتركز على احياء التراث وحفظ الانتاج الفكري فيما يصب هدف وزارة التربية في خانة تثقيف الطلبة ونشر الوعي بينهم.
من جهتها قالت امينة مكتبة (عبدالله عبدالعزيز السند) العامة في منطقة كيفان هدى الحميدان ل (كونا) «نحن نعيش اليوم مرحلة إحلال المواد الرقمية كبديل للمعلومات المادية مثل الكتب والمجلات العلمية والصحف التي اتجهت في معظمها نحو الرقمنة».
واضافت ان «هذا الامر وفر للناشرين فرصا جديدة لتوزيع الكتب وتعظيم الربح وذلك على حساب اللاعبين القدامى مثل المكتبات التي توفر لروادها خدمة استعارة الكتب وقراءتها مجانا».
وشددت على ضرورة التعاون والتنسيق المشترك بين وزارة التربية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتزويد المكتبات بآخر الإصدارات والدوريات والمجلات العلمية والأدبية.
ودعت الحميدان الى ضرورة الأخذ بالاعتبار وجود تخصصات متنوعة عند تعيين موظفي المكتبات الامر الذي من شأنه المساعدة في تقويم المكتبات العامة ومساعدتها في تحقيق أهدافها ناهيك عن تجديد وتحديث مباني المكتبات العامة على غرار (مكتبة الخالدية) وتزويدها بالكتب والإصدارات الحديثة لاحياء الدور الذي تضطلع به في دعم مختلف الفعاليات الثقافية بالبلاد بدلا من ان تكون مهجورة ومستودعا للكتب القديمة.
وشددت على ضرورة ان تلبي المكتبات العامة احتياجات أفراد المجتمع جميعا لاسيما ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن مشيرة الى أن أسباب تراجع الحاجة إلى القراءة في الدول العربية بصفة عامة متعددة تبدأ بالأوضاع السياسية وتنتهي بالظروف الاقتصادية مرورا بتدهور التعليم.
وعن مكتبات القطاع الخاص التي لم تكن بمنأى عن هذا التراجع قالت رزان المرشد احد شركاء مكتبة (صوفيا) الخاصة ان من عوامل نجاح المكتبات وجود تخصصات مختلفة ومتنوعة مثل الشعر والادب والفلسفة وذلك لتلبية جميع ما يحتاجه أفراد المجتمع.
وذكرت المرشد ان اكثر الفئات التي تتردد الى المكتبات الخاصة هي فئة النساء والأطفال مؤكدة ان هدف تلك المكتبات على الصعيد الاجتماعي هو غرس حب القراءة والاطلاع وابراز دور الكويت كمنارة إشعاع ثقافي وحضاري تحتفل بالإبداع والفكر.
واوضحت ان «ما يعيب المكتبات العامة غياب الشخص المتخصص الذي يديرها بشغف وتأخرها في استيراد الكتب الحديثة الى جانب غياب الدور التسويقي رغم ما تزخر به من كتب ثمينة وقيمة».
واعربت عن الأمل في احياء دور المكتبات العامة كسابق عهدها من خلال تسليمها الانشطة الثقافية التطوعية وجعل كل منها مركز عمل لهذه الانشطة.
من جانبها قالت الكاتبة الكويتية بثينة العيسى صاحبة مكتبة (تكوين) الخاصة ل (كونا) ان «فكرة انشاء المكتبة جاءت بداية لتشكيل منصة الكترونية توفر قاعدة بيانات لكل ما يتعلق بفن الكتابة ونظرة الكاتب للحرفة وادواتها سواء كان سيناريو او رواية او شعرا بسبب وجود فقر في المكتبات العربية فيما يتعلق بمواد فن الكتابة الابداعية».
واوضحت العيسى «ان تلك الفكرة تطورت من مشروع متخصص بالكتابة الابداعية الى قراءة تصنع وعيا ثقافيا يقبل الاختلاف في الرأي والتعددية المجتمعية وحرية التعبير».
وذكرت ان « هدف مكتبة (تكوين) هو بناء جيل مثقف وواع وسط نظام عالمي يحتم علينا ان نكون مجتمعا ماديا واستهلاكيا لذلك يجب تحويل فكرة الثقافة من مفهوم ترفيهي الى نمط حياتي اجتماعي يشجع على حب القراءة والاطلاع».