تونس.. من خطر الجفاف إلى فيضانات تدمر البنية التحتية
“الأناضول”: قبل عام كان الشغل الشاغل للمسؤولين في تونس إيجاد حلول عاجلة لمشكلة المياه، إذ أوشك مخزون مياه السدود على الجفاف والموارد المائية على النضوب، فكانت البلاد مهدّدة “بسنوات من العطش”.
أشهر قليلة كانت كافية لتقلب المعادلة، فمشهد سيول المِياه المتدفقة من الأمطار مؤخرًا كان كفيلًا برفع منسوب المياه في السّدود، لكنّ الأمطار لم تكن هذه المرّة “محمودة”، حيث جرفت الطرقات وأسفرت عن خسائر مادية وبشرية.
ورأى مراقبون أن ما تشهده تونس اليوم، يُجسد أحد ملامح التغيرات المناخية التي بدأت تجتاح العالم، وباتت تشكل خطرًا على المدى القريب والبعيد، ما استوجب تركيزًا أكثر على عواقبها التي قد تكون وخيمة على البشر، واتخاذ إجراءات بشأنها.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، لم تشهد تونس فيضانات على النحو الذّي عرفته مؤخرًا.. فيضانات ضربت أواخر سبتمبر الماضي محافظة نابل (شرق)، فأسفرت عن مصرع 6 مواطنين، وخسائر مادية كبيرة بعد اكتساح السيول لمنازل خاصة ومؤسسات إدارية واقتصادية وسياحية.
ولم يمض شهر حتى أدّت فيضانات أخرى إلى مصرع ستة أشخاص، وفقدان اثنين آخرين.
ولئن كانت الأمطار الأخيرة مرفوقة بكوارث مادية وبشرية إلا أنها مكنّت في جانب آخر من ملء سدود وأودية جفت فيها المياه، وخالت تونس أنها مقبلة على سنوات من “القحط”
وفي هذا الصّدد، قال كاتب الدولة للموارد المائية عبد الله الرابحي، إنّ “مخزون السدود (طاقتها الاستيعابية) وصل اليوم في تونس إلى مليار و69 مليون متر مكعب، في حين أن طاقة استيعابها الإجمالية تقدر بـ2 مليار و200 مليون متر مكعب.”
وأضاف في حديث للوكالة أنّ “معدّل مخزون السدود لنفس الفترة (سبتمبر – أكتوبر) من الثلاث سنوات الفارطة كان يبلغ 769 مليون (متر مكعب) أي هنالك زيادة بنحو 300 مليون متر مكعب”.
ويوجد في تونس أكثر من 40 سدًا، وكانت وزارة الزراعة التونسية أعلنت في مايو الماضي، التخطيط لبناء 4 سدود جديدة بحلول عام 2020.
ووصف الرابحي الأمطار التي تشهدها تونس خلال هذه الفترة “بالاستثنائية”، مضيفا: “العديد من المناطق حققت في فترة وجِيزة معدلات هامّة، وقد سجلنا في مدينة الكاف (شمال غرب) مثلا 42 بالمائة (من المعدل السنوي للأمطار) وفي الوسلاتية من ولاية القيروان (وسط) تم تسجيل 53 بالمائة.”
وأشار إلى أن “الأمطار لها أيضًا تداعيات إيجابية على الموارد المائية الجوفيّة، إذ هناك أودية في الجنوب والوسط الغربي كانت جافة لثلاث سنوات، ولم تجر بها المياه ولكن اليوم وضعها تحسن كثيرًا”.
وأضاف: “الايجابية تظهر أيضًا في غسيل التربة من الأملَاح، ولذلك فوائد كبيرة للمراعي التي ستنعكس بدورها على جودة الأغنام والتقليص من الأعلاف المركبة.”
وفي المقابل، شدد المسؤول التونسي على “ضرورة المحافظة على الماء، وحسن استغلاله، حتى تكفي الكميات لفترات الجفاف التي أصبحت تدوم لأكثر من 4 سنوات”.
وفي ذات السياق، ارتأى خبير البيئة والتنمية المستدامة، عادل الهنتاتي أن “الدولة يجب أن تضبط استراتيجية، لمجابهة الفيضانات ويجب استثمار مياه الأمطار وتثمينها فإن لم تكن قادرة كذلك على تغيير بنيتها التحتية وتوسيع قنوات صرف المياه فإنّ الوضع سيكون أكثر سوءًا”.
ووصف الخبير البيئي “وضع تونس بالخطير جدا”، محذرا من أن “16 ولاية (من أصل 24) باتت منكوبة الآن ومتضررة جراء الفيضانات”.
ولفت الهنتاتي إلى أن “تونس لم تشهد فيضانات مماثلة منذ سنة 1969، فالمُدن كبرت وتوسعت لكن التجهيزات ظلت على حالها.”
وأضاف الهنتاتي: “ومن التاثيرات السلبية للتغيرات المناخية التناقضات المطرية، فنجد في السنة نفسها أمطار فيضانية وجفاف، لأن الكم المطري السنوِي الذّي يتساقط على مدى 6 أو 7 أشهر قد يسقط أحيانًا في مدة وجيزة تتراوح بين يوم ويومين، لذلك أصبحت أغلب الأمطار شرسة (غزيرة) وتخلف أضرارًا ماديّة وبشرية”.
وأوضح أنه “منذ سنة 1990 شهد مستوى البحر البيض المتوسط ارتفاعًا بمعدل 2 مليمترًا لكل سنة إلى أن وصلنا اليَوم إلى أكثر من سنتيمتر ارتفاعًا، ارتفاع يؤثر تدريجيًا في المناطق السقوية (الرزاعية) الساحلية إذ تصل مياه البحر إلى المائدة المائية (المياه الجوفية السحية)، وتصبح مالحة وغير صالحة للزراعة.”
وحذر الخبير البيئي من أنه “سيكون للتغيرات المناخية أثر سلبي كبير على الاقتصاد الوَطني في عدة أوجه منها الخريطة الزراعية التي ستتغير بمرور السنوات”.
ولفت إلى أن “المعدل السنوي للأمطار بمنطقة الشمال الغربي المتخصصة في إنتاج الحبوب المطرية (ليست سقويّة)، يقدر بـ400 مليمتر سنويًا، ولكن اليوم ومع التغيرات التي تشهدها تونس أصبحت كميات الأمطار تلك تتساقط أحيانًا في 4 أيام في حين تشهد بقية السنة جفافًا وندرة لمياه الأمطار”.
وتوقع أن “التغيرات المناخية ستؤثر في ملايين مواطن الشغل (فرص العمل) الزراعية منها وحتى السياحية”، مضيفًا: “مع السنوات قد تغمرها مياه البحر، ولا بد أن نفكر من الأن في حلول استشرافية”.
بدوره رأى المحلل الاقتصادي، الصادق جبنون، أنه “لا بُدّ من أقلمة الاقتصاد التونسي مع التقلبات المناخية، وأخذ الاحتياطات اللازمة من الآن بإيجاد صيغة للتخطيط الاستراتيجي على المدى المتوسط والبعيد، وحماية السواحل وتخطيط المدن، وأنه لا يمكن الاكتفاء بالتسيير الظرفي للأزمات خاصّة مع قلة الإمكانيات الموجودة”.
وأضاف في حديث للأناضول، “هناك دراسات عديدة قامت بها الدّولة التونسية، لكنها تنتظر تفعيلًا على أرض الواقع؛ منها الحفاظ على المياه والحد من الاستغلال المفرط لهذه الثروة، ولدينا في تونس قانون كامل للمياه، وهناك أيضا ما سمي بالشرطة المائية لدى وزارة الفلاحة”.
وأردف قائلا: “لا بد من التوعية وتطبيق القانون ومواصلة الاستثمار في البنى التحتية وفي السدود وتطوير برنامج حماية المدن من الفيضانات، وهذا قد يتطلب تعاونا دوليا وأهو أمر ليس صعبا”.
وتابع جبنون: “المناخ المميز لتونس في هذه الفترة يقترب أكثر من المناطق الاستوائية”.
ورجح إمكانية “ظهور أعاصير في فصل الخريف والشتاء وتساقطات قوية في فترة وجيزة وهذا ما سيركز ضغطا كبيرا على البنية التحتية”.
وأوضح أنه “في تونس هنالك نقص في مُستوى البنية التحتية يضاهي نحو 24 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، كما أن كثيرا من التجهيزات متقادمة ومتآكلة ولا يمكنها أن تواجه مثل هذه الأوضاع المناخيّة الجديدة وبالتالي لا بد من سكك حديد وطرق بجودة عالية”.
وعلى الصعيد الفلاحي، م المتوقع أن تكلف التقلبات الجوية تونس 138 مليون دينار (48.66 مليون دولار) و38 ألف فرصة عمل، إذا لم تتخد الاحتياطات اللازمة؛ فضلا عن تطوير الفلاحة.