أهل الكويت عرفوا «التلغراف» قبل أكثر من قرن
«كونا»: قبل أكثر من قرن دخلت الكويت على خط الاتصالات الدولية وتحديدا في الرابع من ديسمبر عام 1916 بافتتاح مكتب البرق الهندي الأوروبي (التلغراف) لإرسال وتسلم البرقيات مباشرة من الكويت إلى بلدان الخليج والهند وبريطانيا وغيرها من الدول.
وساعد افتتاح مكتب البرق كثيرا في زيادة التواصل بين حكام الكويت آنذاك مع السلطات العثمانية وتراسل تجار الكويت مع الهند بخصوص تجارة اللؤلؤ أو حتى التراسل مع المدينة المنورة لمعرفة أخبار الحجاج.
وعن هذا الموضوع قال الباحث خالد العبدالمغني في كتاب (رسالة الكويت – يناير 2017) إن المحادثات بين الدولة العثمانية والحكومة البريطانية التي استمرت بين عامي 1857 و1863 طرحت خلالها مسودة اتفاقية من الباب العالي في إسطنبول إذ منحت الحكومة البريطانية الحق في مد خط البرق فوق الأراضي العثمانية لربط خط البرق البريطاني الذي أسس عام 1840 بالخط البرقي الهندي الذي أسس عام 1852.
وأضاف العبدالمغني أن من ضمن شروط الاتفاقية أن يكون الخط البرقي في الأراضي العثمانية تحت إدارة مصلحة البرق العثمانية في المقابل تعهدت الحكومة العثمانية بمد خطين للبرق فوق أراضيها على نفقتها الخاصة أحدهما من بغداد إلى البصرة والآخر من بغداد إلى خانقين عند الحدود الإيرانية.
وأوضح أنه إلى جانب ذلك تتولى حكومة الهند مد خط تحت سطح البحر من الهند إلى نقطة قريبة من مصب شط العرب لملاقاة خط بغداد البصرة البرقي العثماني مع تعهد حكومة الهند بتوفير المواد الضرورية والموظفين المهرة والعمال لمد الخط في حين تقوم الحكومة العثمانية بدفع أثمان هذه المواد من حصيلة دخلها من البرقيات المتبادلة عن طريق هذين الخطين.
وذكر العبدالمغني أن الكولونيل لويس بيلي المقيم السياسي في الخليج آنذاك رأى من الأفضل أن ينتهي خط الكيبل البرقي في الكويت لكن الرائد ستيورات المكلف إدارة المشروع البرقي وأول مدير لدائرة البرق الهندية الأوروبية فضل شبه جزيرة الفاو لأنه يعتبر مكانا يلتقي فيه خط البرق الهندي من بوشهر مع خطوط البرق العثمانية من البصرة وبغداد والممتدة حتى إسطنبول ومن ثم إلى الخط الأوروبي.
وأكد أن الكويتيين لم يكونوا بعيدين عن استخدام الخدمات البرقية قبل افتتاح المكتب نظرا إلى الموقع القريب من مكتب محطة البرق الهندية الأوروبية ومحطة البرق العثمانية في (الفاو) والتي تبعد مسافة 50 ميلا عن الكويت.
وبين أن برقيات موجودة في الأرشيف العثماني بين الشيخ مبارك الصباح مع السلطات العثمانية عبر محطة الفاو حيث كان يبعث ببرقياته ورسائله عن طريق المراسلين الخاصين أو بواسطة وكيل أعماله في البصرة عبدالعزيز السالم البدر كذلك مراسلات لبعض التجار الكويتيين من مكاتبهم الكائنة في البصرة للاشراف على مزارع النخيل وأخرى للتراسل مع المدينة المنورة لمعرفة أخبار الحجاج.
وأشار العبدالمغني إلى تعامل الكويتيين أيضا مع المكتب البرقي الهندي البريطاني من خلال برقيات للشيخ مبارك الصباح وتراسل تجار الكويت مع الهند وخصوصا تجار اللؤلؤ.
وقال إن الشيخ مبارك الصباح اتفق مع السفن البخارية لشركة الهند البريطانية التي تعرف بالميل (Mail) عام 1901 لجعل الكويت إحدى المحطات التي تقف السفن في موانئها وفق جدول زياراتها الدورية إلى الخليج حيث إن أغلب الكويتيين كانوا يبعثون عن طريق مكتب الفاو برسائلهم ويتسلمونها بواسطة سفن (الميل).
وبين أن الهند سارعت عام 1911 إلى استكمال مشروع التحديث والبناء لمحطات التلغراف اللاسلكي في الكويت والبحرين ودبي وبوشهر وبنجام إذ عملت دراسة للتكلفة التقديرية لإقامة المحطات السابقة الذكر وأقرت وزارة الخارجية لحكومة الهند بتحملها كلفة المشروع وتم العمل بها على مراحل بدأت بعمل محطة في الكويت بتاريخ ديسمبر 1916.
وأضاف أنه في عام 1912 بدأ البحث عن موقع مناسب لمحطة التلغراف في الكويت بحيث تكون في أرض مستوية وبمساحة 500 قدم مربعة ولا توجد حولها مبان أو أشجار عالية أو مرتفعات واختار الكابتن شكسبير منطقة (الشويخ) التي تبعد 4 أميال ونصف الميل عن مقر دارالاعتماد وتبعد مسافة ميلين ونصف الميل عن السوق كمكان مناسب.
وأوضح العبد المغني أنه في 30 لأغسطس 1916 وصل جهاز التلغراف اللاسلكي لمقر الوكالة السياسية في الكويت لكن لم يتم بناء مقر التلغراف في الشويخ نظرا إلى توقف عن العمل به وتمت الاستعاضة عنه بغرفة في مقر المعتمدة وضمه مع مكتب البريد تحت إدارة واحدة واختير مكان آخر للتلغراف حيث يبعد ميلين عن مقر الوكالة السياسية قرب السوق الكائن في ساحة الصفاة.
وأشار العبدالمغني إلى أنه في الرابع من ديسمبر 1916 في عهد الشيخ جابر المبارك الصباح افتتح مكتب التلغراف وضم مع مكتب البريد الذي افتتح رسميا في يناير 1915 بمقر الاعتماد الإنجليزي ليقدم خدمة إرسال البرقيات وتسلمها لكل من الحاكم والكويتيين والمقيمين وبسعر زهيد نسبيا بحسب تعرفة الأجرة المحلية في الهند.
وقدم (التلغراف) منفعة اقتصادية كبيرة للمجتمع حينها الذي كان في أمس الحاجة إليها للاتصال السريع والذي اعتبر في ذلك الوقت بمثابة سرعة خدمة الإنترنت في زمننا الراهن.