جنوب السودان يدعم السودان خصمه القديم وسط الاحتجاجات الشعبية
“رويترز” – يتلقى الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تحاصره المشاكل، كلمات التأييد من حيث لا يتوقع فيما يواجه احتجاجات دامية تطالبه بالتنحي.
حصل جنوب السودان على الاستقلال عن السودان في عام 2011 بعد عقود من المعارك الضارية التي شهدت عمليات خطف جماعي واستعباد الأطفال والتطهير العرقي باستخدام سياسة الأرض المحروقة ومجاعات.
غير أن أعداء الأمس يصفون أنفسهم اليوم بأنهم أفضل الأصدقاء وتربطهم حاجة ماسة إلى عائدات النفط والسلام للسماح بتدفق هذه العائدات.
وقال حزقيال لول جاتكوث وزير النفط في جنوب السودان لرويترز في العاصمة جوبا ”عندما تتشابك مصالحك إلى هذا الحد، فأنت مثل أحد توأمين ملتصقين“ وتابع ”بالنسبة لنا، الحل ليس خلع البشير، الحل هو تحسين الاقتصاد“.
ويوم الاثنين قفز جاتكوث ونظيره السوداني فوق بقرة مذبوحة ضمن مراسم الترحيب التقليدية بمناسبة بدء زيادة الإنتاج في حقل الوحدة النفطي بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين حيث دارت معارك بالدبابات بين الجانبين قبل أقل من عقد.
ولا تزال بعض المباني تحمل آثار طلقات النيران وتشير بقعة كبيرة سوداء إلى مكان قصف خط أنابيب.
ويأتي التقارب بين الشمال والجنوب فيما يموج السودان باحتجاجات عنيفة تطالب بنهاية لارتفاع الأسعار ولحكم البشير المتواصل منذ 30 عاما. لكن رغم أن جنوب السودان أمضى عقودا في قتال البشير تقلق فكرة سقوطه كثيرا من خصومه السابقين.
وخرج جنوب السودان لتوه من حرب أهلية استمرت خمس سنوات. ويخشي البعض هناك من أن يعصف سقوط الشمال في هوة الفوضى باتفاق السلام المحلي والذي ساعدت الخرطوم في التوصل إليه.
وفي مقابل السلام، يحصل السودان على الأموال. ويقبع جنوب السودان الذي لا يطل على أي بحار فوق معظم الثروة النفطية لكن السودان يمتلك خط الأنابيب والميناء اللازمين لتصديره.
وتحصل الخرطوم على ما يتراوح بين تسعة و 11 دولارا تقريبا عن كل برميل نفط من جنوب السودان يتدفق عبر خط الأنابيب.
ويمثل هذا الترتيب تحولا كبيرا مقارنة بسنوات العداء.
وقال آلان بوسويل كبير المحللين لدى مجموعة الأزمات الدولية وهي مؤسسة بحثية ”كان كل من الطرفين يسلح متمردين ضد الآخر … لقد تغير الزمن“.
اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان بعد عامين من الاستقلال وتخللتها فظائع ومجاعة واتفاقات سلام فاشلة. لكن الاتفاق الأخير، الذي تم توقيعه في سبتمبر أيلول، لا يزال ساريا إلى حد كبير.
ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الخرطوم أقنعت متمردي جنوب السودان الذين كانت قد تدعمهم في السابق بالتوقيع.
وكانت دول شرق أفريقيا بحاجة إلى إنهاء الحرب الأهلية. فقد فر أكثر من مليون لاجئ من جنوب السودان إلى أوغندا وما يزيد عن 850 ألفا يعيشون في السودان.
ونقل البشير محادثات السلام من إثيوبيا إلى الخرطوم ثم توسط في اتفاق ينص على تسريح المقاتلين من جميع الأطراف وإعادة تدريبهم ودمجهم.
وقال بوت كانج شول الذي يرأس جناح الشباب في الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة التي كانت تقاتل حكومة جنوب السودان حتى وقت قريب ”جرت المحادثات ليلا ونهارا لمدة ثلاثة أشهر وكان السودانيون دائما معنا يحاولون كسر الجمود“.
الآن وللمرة الأولى يثق زعماء جنوب السودان في الشمال إذ يدركون أن البشير يحتاج لنفطهم. وقال وزير النفط جاتكوث إن الخرطوم ساعدت في إصلاح الآبار المعطوبة في الجنوب.
وذكر ماجاك داجوت الذي كان نائبا لرئيس المخابرات السودانية قبل الاستقلال ثم عمل نائبا لوزير الدفاع في جنوب السودان ”في السابق سعى السودان إلى الاستفادة من نقاط ضعفنا… لكن الآن نقف على قدم المساواة“.
وأضاف ”إذا دعمتم البشير فلن تتوقف الاحتجاجات… اطيحوا به وسيأتي الإسلاميون“.
ويقول داجوت إن هذا يثير قلق الجنوبيين نظرا لمتاخمة السودان لمصر وليبيا وقربه من اليمن وكل الدول التي ينشط فيها تنظيم الدولة الإسلامية. ويغلب المسيحيون على سكان الجنوب بعكس السودان الذي كانت محاولة البشير أن يطبق فيه الشريعة الإسلامية أحد الأسباب وراء الانفصال.
اكتسبت الاحتجاجات زخما على مدار الشهر الماضي لكن منظميها لا يعلقون آمالا كبيرة على دعم جيرانهم الجنوبيين.
وقال أمجد فريد الطيب النشط والمتحدث باسم حركة (التغيير الآن) السودانية التي تشارك في الاحتجاجات الحالية وتسعى للتحول الديمقراطي في البلاد ”ربما كان البشير عدوهم في الماضي لكن حدث الكثير من التغييرات ليصبح أقرب الآن… لا أظن أنهم سيدعمون حقا الإطاحة به من السلطة“.
ومع الآخذ في الاعتبار أن حكومة جديدة في الخرطوم قد تكون أقل ودا، تحرص السلطات في جنوب السودان على ألا تبدي أي مؤشر على تشجيع المحتجين.
وحذر مجلس الإعلام الذي تديره الحكومة الصحفيين المحليين في رسالة هذا الشهر من أن الاحتجاجات ”قضية داخلية تؤثر على بلد صديق“ وقال ”يجب على الإعلام في جنوب السودان ألا ينشر أو يبث عبارات أو تعليقات استفزازية حولها“.
وأرسل رئيس جنوب السودان سلفا كير وفدا رفيع المستوى إلى الخرطوم تعبيرا عن التضامن.
وذكر المتحدث الرئاسي أتيني ويك أتيني ”العلاقات بين السودان وجنوب السودان في أحسن حالاتها منذ الاستقلال… نتطلع إلى مواصلة الشراكة مع البشير“.
لكن المسؤولين يحرصون على التأكيد أنه لو ذهب البشير ستعمل حكومة جنوب السودان مع أي زعيم سيختاره الشعب السوداني.
وأول ما ستراقبه جوبا هو هل سيبقى مدير المخابرات السودانية القوي صلاح عبد الله محمد صالح المعروف أيضا باسم صلاح قوش.
وقال بوسويل إن قوش أهم من البشير نفسه بالنسبة لاتفاق السلام في جنوب السودان.