تنازل امبراطور اليابان أكيهيتو عن العرش.. حدث يثير تساؤلات محلية وعالمية
«كونا»: رغم أنه ظل رمزا للسلام والمصالحة خلال العقود الثلاثة التي تولى فيها العرش ينتظر ان يتنازل امبراطور اليابان أكيهيتو في ال30 من ابريل المقبل عن الحكم ليصبح أول امبراطور يترك هذا المنصب منذ قرنين من تاريخ البلاد.
ولا شك بأن تنازل الامبراطور رقم 125 في تاريخ اليابان عن العرش يثير تساؤلات بشأن التداعيات المحتملة محليا وعالميا في ضوء ترقب تسمية العهد الجديد لخلفه وهو اكبر ابنائه ولي العهد الأمير ناروهيتو (56 عاما) الذي يستلم زمام الأمور في الأول من مايو المقبل.
ورغم أن الامبراطور لا يمكنه التأثير بشكل مباشر في سياسات الحكومة خاصة وأن منصبه رمزي إلا أن خبراء يقولون إن اكيهيتو خلق وعيا بأهمية السلام في مد الجسور بين الشعوب.
وعرفت فترة حكم أكيهيتو (85 عاما) بعصر (هيسي) أي «تحقيق السلام» باللغة اليابانية وجاءت بعد عهد والده هيروهيتو الذي عرفت فترته باسم (شوا) اي «اليابان الساطعة».
وفي هذا الصدد قال الاستاذ بجامعة ناغويا والخبير بالشؤون الامبراطورية هيديا كوانيشي في مقابلة مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الشعب الياباني يكن الاحترام والتقدير لشخص الامبراطور أكيهيتو الذي قام بمهامه على أكمل وجه رغم حالته الصحية وتقدمه بالسن.
واكد كوانيشي ان الشعب الياباني متقبل ومتفهم لفكرة تنازل الامبراطور عن العرش لأنه يستحق الراحة بعدما خدم الشعب كرمز لبلاد (الشمس المشرقة) لسنوات طويلة.
وتطرق كوانيشي إلى الوضع الاقتصادي خلال فترة حكم الامبراطور أكيهيتو قائلا ان اليابان كانت في فترة (هيسي) أكثر تحفظا من جميع النواحي لاسيما في مجال الاقتصاد الذي واجه تباطؤا بعد نهاية فترة الثمانينات رغم تحسنه بعض الشيء في الفترة الأخيرة من عهد الامبراطور الحالي.
وعزا الأكاديمي الياباني هذا الوضع إلى تغيير تسمية الفترة الإمبراطورية من (شوا) الي (هيسي) موضحا أنه رغم رمزية هذا الاجراء وعدم تأثيره على السياسية الفعلية للبلاد لكنه يظل له أهمية لانعكاس التسمية على نفسية الشعب والمزاج العام في البلاد.
وقال كوانيشي ان الشعب الياباني يترقب بشغف اعلان تسمية الفترة الجديد للإمبراطور المقبل ناروهيتو مؤكدا ان اليابانيين يشعرون بالتفاؤل نظرا لانتقال السلطة عن طريق التنازل عن العرش عوضا عن وفاة الامبراطور الامر الذي يبشر بوجود تغير إيجابي بالمستقبل القريب.
ولفت في هذا الصدد إلى تصريحات نقلتها صحف محلية عن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قال فيها ان اعلان تسمية الفترة الجديدة سيكون في بدايات شهر ابريل المقبل.
واكد كوانيشي ان تسمية الفترة كانت من الأمور المهمة جدا في الحقب التي سبقت الحرب العالمية الثانية نظرا لمكانة الامبراطور الكبيرة لدى الشعب وصلاحياته الواسعة في تلك الفترة.
وعلى صعيد متصل وفي معرض تطرقه إلى الامبراطور المقبل للبلاد الأمير ناروهيتو قال كوانيشي انه يتعين عليه تكملة مسيرة والده اكيهيتو وخصوصا فيما يتعلق بتقربه من الشعب والوقوف معه لاسيما في اوقات الشدائد والمحن.
واكد كوانيشي ان الامبراطور المقبل ناروهيتو يجب ان يكون بمثابة ميزان للشعب الياباني وان يقف على مسافة واحدة من الأحزاب اليسارية واليمينية التي لها نظرتان مختلفتان لمكانة الامبراطور رغم اتفاقها على رمزية المنصب.
وتوقع ان يكون الامبراطور المقبل ناروهيتو قريبا من الشعب كوالده أكيهيتو الا انه قال انه يتعين عليه ايضا ان يظهر مدى انفتاح اليابان الكبير على العالم ومدى رغبة بلاده في تيسير أمور الأجانب الراغبين بالعمل والمعيشة في اليابان.
وعرف عن الامبراطور الحالي اكيهيتو انه قريب من اليابانيين وعفوي في التعامل معهم خصوصا في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات الامر الذي اثار بعض التحفظات من قبل اليمين الذي ما زال يحتفظ بنظرة مقدسة لمكانة الامبراطور كرمز للبلاد.
ومن ناحيته قال المسؤول السابق بالخارجية اليابانية ساداكي نوماتا ان العالم ينظر باهتمام لعملية تنازل الامبراطور عن العرش موضحا أن ذلك يظهر من خلال التغطية الإخبارية العالمية لأخر المراسم والاحتفالات التي حضرها الامبراطور أكيهيتو.
واضاف نوماتا وهو دبلوماسي مخضرم شغل عدة مناصب في وزارة الخارجية وكان سفيرا لبلاده لدى باكستان وكندا ان منصب الامبراطور ما زال يحظى بمكانة اجتماعية كبيرة لدى اليابانيين رغم رمزية المنصب وعدم تأثيره على السياسة المحلية والعالمية.
وقال نوماتا الذي رافق الامبراطور في عدد من الرحلات كمترجم ومتحدث ان الامبراطور كان يحرص دائما على اظهار الوجه المسالم لليابان ويحرص على مد جسور التعاون والصداقة مع الدول.
لكنه أشار إلى أن سياسة وأفكار الإمبراطور أكيهيتو ليست بالضرورة مشابهة لتوجهات الحكومة سواء كان الشأن متعلقا بأحداث محلية او إقليمية او العالمية.
واكد نوماتا من خلاص خبرته كدبلوماسي ان العديد من الأجانب مهتمون بشؤون واخبار الاسرة الإمبراطورية ولديهم شغف في التعرف على المستجدات والاحداث التي تدور حولهم ولكن لفهم علاقة الشعب مع الامبراطور وعائلته يجب على المهتمين الأجانب إدراك طريقة تفكير شعب اليابان والتعمق في ثقافته وتاريخه.
وأعرب عن ضرورة تغيير الصورة النمطية لدى البعض عن اليابان وخصوصا في المواضيع المتعلقة بالإمبراطور والحكم مؤكدا ان هناك فرقا شاسعة بين الإمبراطورية اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية التي كانت لها أطماع استعمارية وتوسعية وبين الوضع حاليا بوجود الدولة التي يرمز امبراطورها وفترة حكمة الحالي الى السلام الشامل.
وعن موضوع التسمية الجديدة للفترة الإمبراطورية قال نوماتا انه رغم رمزية الاجراء الا انه مازال يحظى بأهمية كبيرة محليا نظرا لاعتماد التقويم الياباني على فترة حكم الامبراطور وهو امر محط اهتمام بالغ من قبل الحكومة التي اكدت استعدادها لفترة حكم الامبراطور القادم في مايو من هذا العام.
واكد نوماتا ان الامبراطور الحالي أكد أهمية تحديد اتجاه اليابان في الفترة التي تلي حكمه من خلال تولي ابنه ناروهيتو زمام الأمور لكنه اشار إلى أنه من المتوقع من الامبراطور القادم ان يسير في طريق مختلف عن والده في ظل عالم متغير ومتطور باستمرار.